طوفان نحو التحرير طوفان نحو التحرير

الرسالة تكشف كواليسها

مواقف إنسانية تُروى للمرة الأولى.. من داخل منزل السنوار!

الشهيد يحيى السنوار مع أحد أطفاله
الشهيد يحيى السنوار مع أحد أطفاله

خاص الرسالة نت

صاحب نظرة حادة، وبأس شديد، بهذا يعرفه قادة الاحتلال عندما كان أسيرا طيلة 22 عاما سرقت زهرة شبابه، وبها شاهده جنود الاحتلال في آخر لحظاته مشتبكا ومتجعبا يطلق الرصاص ويلقي القنابل ويرمي العصا تجاه طائرة مسيّرة "درون"، ورجل السياسة الذي لا يخضع ولا يتنازل لعدوه، بيد أنّ ذلك الوجه الخشن الذي يحمل نظرات صقرٍ؛ لم يكن لصيقه عندما يقترب من أهله وأحبابه وأبناء شعبه، فسرعان ما تكون الابتسامة حاضرة على الدوام.

وبهذا أيضا عرفه العالم، ولكن ما لم يعرفه أنه كان أبا طالما حلم على مدار سنوات اعتقاله بأولاد وزوجه، وحينما تحقق ما يريد شغلته المقاومة عن عائلته، فكان الحرمان من ا لحياة الاعتيادية التي تعيشها أي أسرة هو واقع الحياة التي عاشها الشهيد يحيى السنوار مع أبناءه وزوجته.

" معطاء، كريم، كان يحبهم، ويتمنى أن يذهب معهم إلى شاطيء البحر، ولذلك أحضر لهم مرة بركة سباحة متنقلة صغيرة، وأرجوحة علقها في البيت، وقرر أن يلعب معهم بها في منزله المتواضع في عدد المرات القليلة التي كان يعود فيها إلى المنزل، عوضا عن الذهاب إلى شاطيء البحر كأي أسرة عادية."

هذا ما قاله عماد أبو زمر شقيق سمر أبو زمر، زوجة الشهيد يحيى السنوار والذي يعرف عدد المرات القليلة التي قابل فيها الشهيد، لكنها كانت كفيلة بالتعرف إلى طباعه .

يكمل أبو زمر:" حنون، طيب ، بود منقطع النظير وصاحب أخلاق طيبة؛ هذه أبرز صفاته، حينما أتى لخطبة شقيقتي سمر كان بسيطا جدا، لا يهوى اقتناء الكثير من الثياب، قميصين يرتديهما في كل المناسبات، وحتى يوم عرسه، استعار سترة العريس من صديقه، ليُزف بها، كان زاهدا في الدنيا رحمه الله"

في هذا اللقاء؛ يتحدث حصريًا عماد شقيق زوجة القائد الكبير يحيى السنوار؛ عن صفات نبل التصقت بهذا الرجل؛ وعن وجع رافقه في افتراقه لساعات طويلة بل لأيام، عن أهله وأسرته.

يقول عماد، إنّ يحيى السنوار الذي نعرفه؛ لم نر منه يوما لؤما ولا غدرا ولا خشونة في المواقف؛ آخر ما يفكر به نفسه، ولا يوجد في قراره نفسه أدنى لؤم أو غلظة، ولا ممالقة لأحد، كانت أمي تحبه كثيرا، وحينما تزوج شقيقتي قال لأمي:" أنا مشتاق جدا لطبخ الحاجة رضا، يقصد امه رحمها الله، والتي كانت قد توفيت قبل الإفراج عنه، فطلب من أمي أن تطبخ له الحماصيص، والرمانية، والكرش، والبامية ، وهي أكلات شعبية قديمة، حتى طعامه كان بسيطا، لم يكن يحب الطعام الجاهز ولا يأكله" كانت أمي تقول:" أحب ابنتي لأجل زوجها" لكثرة محبتها له وإعجابها بصبره وثباته وقوته، " لا أذكر أن شقيقتي شكت منه يوما، كان طيب المعشر محبا لها، يقدرها لأبعد حد"

وأكثر ما كان يلفت نظر أبو زمر في لقاءاته القليله مع السنوار، أنه كان متلهفا للعناية والاهتمام بأطفاله، يطعمهم أولا، وحينما يتأكد أن الجميع تناول طعامه، يأكل ، كان قد منعهم من استخدام أي وسائل تكنلوجيا، لظروفهم الأمنية، مع أن ابنه إبراهيم قد أكمل 12 عاما، لكنه كان ممنوع حتى من استخدام (الجوال)

الشهيد يحيى السنوار كان مشجعا لزوجته على العلم، فهي سيدة فلسطينية تحمل درجة الماجستير، سخرت نفسها لتكون أما قبل كل شيء، ودفعت الأثمان الكبيرة أيضا لتحافظ على حياة أسرتها في ظل وضع أمني حساس ، أنجبت ثلاثة أطفال إبراهيم نجله البكر؛ ثم عبد الله؛ ثم طفلته رضا التي أسماها على إسم امه.

 

تنقلت عائلة أبو زمر من خيمة لخيمة شأنها شأن الناس، رغم أن والدة زوجة الشهيد سيدة مريضة بسرطان العمود الفقري، أقعدها المرض، ونامت على أرض خيمة دون سرير لأشهر طويلة ولا زالت، تعاني من حرمانها من العلاج والدواء، وهي أم الشهداء أيضا، فلسمر" أم إبراهيم" شقيقان شهيدان من كتائب القسام وهما عبد الله وحسن أبو زمر.

يضيف عماد: "طيلة هذه الأعوام؛ لم تشتك أختي يوما منه أو من أي سوء معاملة؛ بل كان الخوف يساورها دوما عليه، ودوما تتحدث عن خصاله الطيبة".

ويتذكر عماد موقفا جمعه مع القائد أبو براهيم، في يوم ما "كان في ضيافتنا، وكنت أحمل كيس قمامة؛ فأصرّ أن يحمله معي؛ ثم قام برميه في الحاوية؛ فتمزق الكيس بالقرب منها؛ فذهب أبو إبراهيم بيده وقام بجمعها مرة أخرى ورميها في الحاوية".

هذا الموقف يلخص بساطة القائد وتواضعه؛ في مشهد يعبر عن حياة كاملة؛ عاشها مع أسرته وأسرة زوجته.

نتيجة ظروفه الأمنية المعقدة؛ والتصاقه الدائم بعمله كرئيس لأكبر تنظيم مقاوم في فلسطين؛ ومسؤول عن مليوني فلسطيني ونصف في قطاع غزة، حرم أطفاله من أدنى حقوق الطفولة.

يكمل أبو زمر: "الأصعب كان غيابه الطويل عن البيت؛ كان يجلس لأيام خارجه بفعل عمله؛ وكانت غصة دائمة في قلبه، بأنه لا يستطيع تعويض أطفاله، وكان يشعر بالتأنيب الداخلي أنه لا يستطيع القيام بهذا الدور بسبب ظروفه الأمنية المعقدة التي حرمتهم من أبسط حقوق الطفولة بحضن والدهم".

"نسفت الصورة الأخيرة لرحيل السنوار مشتبكا، كل الدعاية الإسرائيلية التي روجتها بوجوده بنفق مع عائلته، وهذا ما نفاه عماد مؤكدا أنه "لم يختبأ لا هو ولا أطفاله ولا زوجته ولا عائلته، وكان الرجل ملتصقا بمقاوميه ومع أبناء شعبه"، وعده "مدرسة أمنية لقنّت الاحتلال دروسا قاسية حتى في رحيله".

البث المباشر