بينما يكتنف النقاش السياسي الغموض حول المباحثات الجارية في لبنان؛ ومسار الفصل بين الجبهتين على لبنان وغزة؛ يبدو النقاش الميداني أكثر وضوحًا في أروقة الإعلام والمجتمع؛ إذ يبرز فيه الوجه الأكثر دقة لدينامية المعركة وتفاعلاتها، وأثرها على متغيرات الموقف الإسرائيلي من الميدان.
يصنفه مراقبون بأنه "حبيس الغرف السياسية المغلقة"؛ لينسفوا بذلك كل ما يخرج عبر الاعلام من تكهنات وكواليس تزعم وجود تفاوض مستقل في لبنان على فصل مسار الجبهتين شمالا وجنوبا.
يقف خلف الحوار السياسي الرئيس نبيه بري رئيس المجلس النيابي في لبنان، ورئيس حركة أمل؛ التي توقف تقليديا في السياسة اللبنانية ثنائي الشيعة السياسية في البلاد، والحليف الأبرز والتقليدي؛ بل والرحم الذي انبثق منه حزب الله.
حتى الأمين العام الجديد للحزب الشيخ نعيم قاسم، كان مسؤولا ثقافيا وتعبويا في الحركة الأم؛ قبل أن يشكل مع رفاقه الحزب في مطلع ثمانينات القرن الماضي.
الرئيس بري؛ تقول مصادر المقاومة، بأنه أمين معتمد في تمثيل الحزب السياسي من أمينه السابق الشهيد حسن نصر الله؛ وكانت تجربته الأولى في حرب تموز من العام 2006م.
تضطلع المصادر بالقول، إن البيئة السياسية آنذاك في لبنان؛ كانت خصبة بالتعقيدات والانقسامات؛ وصولا لتمثيل سياسي متشتت؛ تدير بعض مساراته الدولة التي انقسم موقفها السياسي آنذاك بين الرئيس إيميل لحود ورئيس وزراءه فؤاد السنيورة.
بين هذه الانقسامات، حافظت المقاومة على سيل كبير من العروض السياسية؛ التي لعب الوسطاء فيها دورا بارزا، وكان بيض القبان فيها كما يقال الرئيس بري.
مناورا؛ محترفا؛ عليما باللغة السياسية، كما يقولون، أيضا بارع في نقل تصور المقاومة من الأشياء وفروعها؛ ومآلاتها؛ وليس سهلا أن يجيب دون فهم دقيق لدواع العرض وتداعياته؛ يهندس بإجابة مختصرة "لعم"، دون أن يفقد الوساطة دورها، أو الموقف قيمته.
في قراءة التقدير السياسي للموقف؛ تفيد أوساط في المقاومة لـ"الرسالة نت"، أنّ ذات الدور يمارس اليوم في الغرف المغلقة؛ التي لا يعرفها كثيرون حتى مقربون من بري؛ ويكتفي أن يضطلع به ساسة معنيون بالحزب؛ تضع القيادة ثقتها بدورهم؛ نتيجة اضطلاعهم بهذه المسؤوليات.
تنفي الأوساط قطعا؛ وجود أي معادلة سياسية تتراجع عن خطوط حمراء تريدها المقاومة، أولها؛ التطبيق المتعلق بالقرار 1701؛ الذي ينص وفق الإسرائيلي؛ على عدم الظهور المسلح للحزب جنوب الليطاني؛ فيما كانت الرغبة السياسية لممثل الحكومة آنذاك أن يحظر وجود أساسا هناك.
"حزب الله يفهم النص كما هو؛ ليس مطلوبا منه الانجراف وراء سيولة التحليل"، هكذا إذن هي لعبة التفاوض اليوم؛ التي تقوم على فكرة النص وتفسيره؛ ليكون موقف بري متجسدا على قاعدة "وقف النار ثم التفاهم"، ليعلنها بشكل أوضح "القرار لا يزال في الميدان!"
هنا إذن يعيد بري اللعبة والكرة مجددا نحو الميدان؛ الذي لا يزال يسيطر بإطباق شديد على محاور القتال البرية؛ ليطبق ما كان يهدد به سابقا الشيخ نعيم قاسم "تعالوا بري وبعدين بنتفاهم"، وعندما بدأت العملية البرية، تعترف إٍسرائيل بخسائر بشرية كبيرة تتلقاها تباعا في المنطقة التي لا تزال تقع على تخوم الحدود.
تجزم كل التقديرات بأن القوات الإسرائيلية لم تستطع حسم وجود عسكري لها في أي قرية بلبنان، وأنها لا تزال تستدرج من كمين لآخر، في استهداف دقيق لتجمعات الجنود؛ وفي سابقة لأول مرة؛ تستنجد فيها إسرائيل بشركات خاصة دولية؛ لإعادة ترميم دباباتها.
حزب الله ومنذ بدء المعركة؛ حافظ على تدرج المعادلات، من القواعد للقواعد، وثم معادلة حيفا والضاحية؛ ثم المدني بالمدني.
إذن ماذا عن جواب الميدان من تعثر الموقف السياسي؟، ليس هناك إجابة منفصلة عما كانت عليه الأوضاع سابقا؛ فإن المعادلات في طور الطريق؛ وثمة معادلات ترسمها المقاومة بعناية تضع حدا للتغول الإسرائيلي على المدنيين، ربما يقترب بها من معادلة "البناية بالبناية"، وهي معادلة مرهونة بمدى تغول الاحتلال على معادلة بيروت تل أبيب.
يدرك صاحب الموقف السياسي، أن تعثر الميدان التفاوضي سيتبعه ضغط ميداني، وهو ما يفرض على المقاومة أن تعيد صياغة المعادلات؛ وفق ما تقتضيه من مفاجآت.
أما غزة؛ فتؤكد الأوساط المراقبة؛ أن غرفة العمليات المشتركة بين محور المقاومة لم تتوقف لحظة، وأن كما للميدان كلمته فللسياسة دهاليزها؛ ولا بد أن تقضي في نهاية الموقف لحسم ما كان يتبناه السيد، غزة أولا.