لليوم الـ 400 على حرب الإبادة الجماعية في غزة، لا تزال المقاومة الفلسطينية في غزة وفي مقدمتهم كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة "حماس" تواصل استبسالها بالتصدي لجيش الاحتلال مستخدمة أساليب وتكتيكات عسكرية أرهقت العدو.
فمن الأنفاق ومن وسط ركام المنازل المدمرة ومن المناطق التي زعم الاحتلال بأنه قضى على المقاومة فيها يفخخ المقاتلون المنازل بجنود الجيش (الإسرائيلي) ويطل مقاتلو القسام بصيحات التكبير ويستهدفون جنود وآليات الاحتلال التي تعيث فسادًا وخرابا وقتلًا للمدنيين العزل، ويكبدونهم خسائر فادحة.
ومنذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى" حتى اليوم الـ 400 للعدوان على غزة، لا يزال يدوس مقاتلو القسام برفقة فصائل المقاومة جنود الاحتلال من رفح جنوبًا حتى بيت لاهيا شمالي القطاع، ليحطموا صورة (إسرائيل) وجيشها الذي قيل يومًا ما إنه لا يهزم.
***عمليات نوعية
وعلى مدار الأسابيع الماضية لا تزال كتائب القسام تنفذ عمليات نوعية وكمائن مركبة ضد جيش الاحتلال الذي يحاصر شمال قطاع غزة لأكثر من 36 يومًا ويمارس أبشع الجرائم ضد المدنيين.
وتبث القسام بشكل يومي فيديوهات توثق تنفيذ مقاتليها عمليات مركبة ضد جيش الاحتلال مستخدمة قذائف "الياسين 150"، وعبوات "الشواظ" و"التلفزيونية" و"الرعدية"، كذلك إعادة استخدام صواريخ الاحتلال التي لم تنفجر من خلال إعادة تدويرها وتفخيخ المنازل بها ليقع جيش الاحتلال بين قتيل وجريح.
وعلى الرغم من الخسائر الفادحة في صفوف جيش الاحتلال، إلا أنه يواصل الكذب على (الإسرائيليين) ولا يعلن الحصيلة النهائية لقتلاه الجنود في كمائن القسام والمقاومة في قطاع غزة.
فهذه العمليات تأتي امتدادا لما نفذه القسام فجر السبت 7 أكتوبر 2023، وإعلانه انطلاق معركة "طوفان الأقصى" في أكبر هجوم على الاحتلال، وشمل هجومًا بريًا وبحريًا وجويًا وتسللًا للمقاومين إلى عدة مستوطنات في غلاف غزة.
وأعلن عن العملية محمد الضيف، قائد الأركان في كتائب القسام، واعتُبرت أكبر هجوم على (إسرائيل) منذ عقود.
***التكيف مع ظروف الميدان
"كتائب القسام وفصائل المقاومة استطاعت خلال الـ 400 يوم من حرب الإبادة التكيف مع ظروف الميدان واكتساب الخبرات، لتوقع الخسائر في صفوف جيش الاحتلال"، هكذا يقيم الخبير العسكري اللواء واصف عريقات عمليات المقاومة في غزة.
ويقول اللواء عريقات في حديث لـ"الرسالة"، إن عمليات المقاومة وخاصة في شمال قطاع غزة، تظهر أنها استطاعت مضاعفة تراكم خبراتها العسكرية والتأقلم مع ظروف الميدان من خلال استغلال المنازل المهدمة للتخفي عن أنظار الاحتلال ونصب الكمائن المركبة.
ويضيف "واضح بأن القسام والمقاومة أعدت نفسها جيدا لمعركة طويلة الأمد مع الاحتلال، فهي تناور في استخدام الأسلحة التي تستهدف بها آليات وجنود جيش الاحتلال في مناطق التوغل البري".
* المقاومة لا تزال فاعلة
وأكد اللواء عريقات أنه على الرغم من استخدام جيش الاحتلال سياسة "الأرض المحروقة" وتدميره المباني والبنية التحية والأحياء السكنية، إلا أن المقاومة تواصل استبسالها وتصديها لقوات الاحتلال، وهي لا تزال فاعلة وقادرة على استهداف جيش الاحتلال وبكل قوة.
وأشار إلى أن المقاومة واضح أنها ما يزال لديها مخزون كاف من الأسلحة، وهذا ما يفسر تنوع استخدامها للأسلحة وفق طبيعة الأهداف والكمين المركب، حيث يتم استهداف الدبابات بعبوات "ثاقب" البرميلية أو عبوات "شواظ" أو العبوات شديدة الانفجار أو الصواريخ المضادة للدبابات، في حين يتم استهداف تجمعات الجنود وخطوط الإمداد بقذائف الهاون الثقيل.
وأشاد اللواء عريقات بمقاتلي القسام الذين يتميزون في اختيار السلاح المناسب لكل كمين حسب الهدف، كذلك مهارتهم في استخدام قذيفة "الياسين 150" المضادة للدروع والأفراد.
***تكتيكات مرنة غير تقليدية
أما الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء ركن محمد الصمادي، يرى أن عمليات كتائب القسام ذات أهمية كبيرة جدا، مستفيدة من نقاط ضعف جيش الاحتلال الذي يستنزف من جنوب القطاع إلى شماله.
ويقول الخبير الصمادي: "إن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة تستخدم تكتيكات مرنة غير تقليدية بشكل ديناميكي تعتمد على أساليب الكر والفر لتوقع خسائر كبيرة بجيش الاحتلال.
ويؤكد أن كتائب القسام استخدمت مؤخرا الكمائن والعبوات ونفذتها بطريقة احترافية، مما مكنها من إيقاع ضربات مفاجئة وموجعة لجيش الاحتلال، بالتزامن مع تمتع المقاومة بقدرة عالية في عمليات الاستطلاع والرصد والمراقبة واستخدام الطائرات المسيّرة في عمليات التصوير والمراقبة.
وشدد اللواء الصمادي على أنه بعد 400 يوم من حرب الإبادة، تتآكل ما أسماها النجاحات التكتيكية لجيش الاحتلال، وهناك حالة استنزاف وخسائر كبيرة في الآليات والوحدات المدرعة.
***خلافات داخل جيش الاحتلال
فيما يلخص المختص في الشأن (الإسرائيلي) عادل شديد، مشهد الخلافات الداخلية في جيش الاحتلال بعد 400 يوم من حرب الإبادة قائلًا: "حرب تشتعل يومًا بعد يوم داخل أروقة المؤسسة الأمنية لجيش الاحتلال".
ويقول شديد في حديث لـ"الرسالة": "الإسرائيلي بات يتابع جيداً ويشاهد حجم الخسائر التي تقع في صفوف جيشه على الرغم من محاولات حجبها، ما يشعل الخلافات حتى على صعيد مواقع التواصل الاجتماعي داخل الاحتلال".
ويوضح أن صمود المقاومة وتباثها في الميدان أشعل الخلافات بين نتنياهو وأعضاء الكنيست والمؤسسة الأمنية، في الوقت الذي تمارس سياسة الكذب على أهالي الأسرى (الإسرائيليين) الذين يرون خلال حديثهم "بأن نتنياهو يتخذ أبناءهم ذريعة لإطالة أمد الحرب، وأنه فشل حتى في القضاء على حماس فكيف سيستطيع أن يعيد الأسرى".
وبحسب ما كشفته القناة الـ12 العبرية، حيث نقلت عن مسؤولين وصفتهم بالرفيعين أن كبار جنرالات الاحتلال يريدون بدء وقف إطلاق النار في قطاع غزة، حتى لو أدى ذلك إلى إبقاء حركة حماس في السلطة في الوقت الحالي.
أما مفوض شكاوى الجنود السابق، اللواء إسحاق بريك، الذي اتهم الجيش بالكذب، وقال: إن القول إننا نقتل العشرات أو المئات من المقاتلين في كل معركة هي كذبة كاملة، ولا يوجد قتال وجهًا لوجه مع مقاتلي حماس.. الجيش يدمر الأبنية فقط ولكننا لا نلحق أي ضرر بمقاتلي حماس، ونصاب بالمتفجرات والفخاخ التي يزرعونها، والصواريخ المضادة للدبابات التي يطلقونها".
* (إسرائيل) في دوامة أزمات!
أما المحلل السياسي سليمان بشارات، يرى أن صمود وثبات المقاومة في غزة يعمق من الأزمات الداخلية للاحتلال (الإسرائيلي) الذي بات معظمه يعارض سياسيات الحكومة المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو بالاستمرار في الحرب على القطاع.
ويشير بشارات في حديث لـ"الرسالة"، إلى أن تكتم جيش الاحتلال على الخسائر الفادحة في صوف قواته في غزة أشعلت الخلافات حتى في المؤسسة الأمنية التي بات يرى الجزء الأكبر منها بأن الجيش (الإسرائيلي) فشل في تحقيق أي هدف في غزة سوى القتل والتدمير.
وينوه إلى أنه بسبب ارتفاع حدة الخلافات لجأ نتنياهو إلى إقالة وزير الحرب "يوآف غالانت" من منصبه وتعيين وزير الخارجية "يسرائيل كاتس" لتولي هذا المنصب من أجل السيطرة على القرارات ومحاولة تكميم الأصوات التي تنادي بوقف الحرب على غزة ولبنان.
ويؤكد المحلل السياسي بشارات أن جميع المعطيات حتى تلك التي تخرج من المؤسسة الأمنية (الإسرائيلية) تؤكد فشل الاحتلال فشلًا ذريعًا أمام إرادة وصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في قطاع غزة، على الرغم من حرب الإبادة التي لا تتوقف على مدار الـ400 يوم، استهدف خلالها الأطفال والنساء ومارس سياسة التجويع والتعطيش والدمار بحق الفلسطينيين.
وقال زعيم المعارضة الإسرائيلية "يائير لابيد" في تصريح أمس إن قضاء 400 يوم في الجحيم بغزة يحطم القلب وعلى الحكومة وقف العبث السياسي وبذل كل جهد لإعادة الأسرى.