في قطاع غزة حيث يختلط أنين المعذبين بصدى القذائف والانفجارات، تتلاشى ملامح الطفولة تحت وطأة الألم والمعاناة، يعيش الأطفال واقعًا قاسيًا، لا مكان للفرح أو البراءة، ولا متسع للحلم أو اللعب، فالحرب والحصار مسحا كل معالم الحياة البسيطة التي يستحقها كل طفل.
فمنذ أكثر من عام توقفت مدارس غزة عن استقبال الطلاب، ولم تعد فصولها الدراسية ملاذًا آمنًا، بل أصبحت أكوامًا من الركام. حولت الحرب مقاعدهم الدراسية إلى حطام، والدفاتر إلى رماد، والأحلام إلى ذكريات مؤلمة وألقت بهم في هاوية الضياع.
لم يكن حقهم في التعليم وحده من حُرموا منه بل أبسط حقوقهم في الغذاء والدواء، إضافة لحصار محكم أغلق عليهم كل أبواب الحياة الطبيعية، فأصبح الطعام رفاهية لا يُدركها معظمهم؛ لا يعرفون نكهة الأطعمة التي كانت جزءًا من حياتهم اليومية، وأطباق بسيطة مثل الأرز أو الفواكه باتت ذكرى من الماضي.
لا ينهش الجوع أجسادهم الصغيرة فحسب، بل الأمراض الوبائية التي انتشرت نتيجة سوء التغذية وتلوث المياه تزيد معاناتهم في ظل غياب الأدوية والرعاية الصحية، يواجهون الألم بلا علاج، ويُتركون ليتحملوا أوجاعًا تفوق أعمارهم. هؤلاء الأطفال هم ضحايا عالم أغلق عينيه عن معاناتهم، وأدار ظهره لأوجاعهم.
الطفلة سلمى صلاح التي فرضت الحرب عليها واقعاً قاسياً بعد أن استهدف الاحتلال منزل عائلتها فكانت هي وشقيقها آدم الذي يبلغ من العمر عاما الناجين من القصف، أجبرت سلمى ابنة (9أعوام) على تحمل أعباء أم من سهر الليالي ورعاية شقيقها الطفل، حتى نسيت معنى الطفولة.
وفي الوقت الذي يجب أن يقضي فيه الأطفال وقتهم بين اللعب والدراسة، تجد أطفال غزة يعملون في شوارع وأزقة مليئة بالدمار، يبيعون بضائع بسيطة أو يشاركون في أعمال شاقة لا تناسب أعمارهم أو أجسادهم الهزيلة.
حملوا على عاتقهم مسؤوليات تفوق أعمارهم، ليس لأنهم اختاروها، بل لأنهم أُجبروا على ذلك ليبقوا على قيد الحياة. الطفل الذي كان يحمل قلمه بالأمس، بات يحمل كيسًا ثقيلًا اليوم. ومع كل يوم عمل، تتآكل طفولته وتُمحى ملامح براءته.
الطفل أحمد أبو القمصان الذي أجبر على النزوح 8 مرات انتهى به المطاف في خيمة بمخيم النصيرات وضع على بابها "بسطة" صغيرة عليها بعض المنظفات لعلها تكون مصدر رزق له ولعائلته.
يقول أحمد: "أريد أن أعود لحي الشيخ رضوان.. والدي هناك، أشتاق لأبي ولبيتي ولجيراني ولكل شيء حرمت منه خلال الحرب".
لا تقف مأساة أطفال غزة عند هذا الحد؛ فقد حصدت الحرب والحصار أسرهم أيضًا. كثير منهم فقد أحد والديه، وبعضهم فقد كليهما، ليجد نفسه وحيدًا بلا مأوى ولاعائلة، ينام تحت سقف خيمة لا تحمي من بروة الشتاء ولا حرارة الصيف، وبلا أمان يعيد إليهم شعور الطفولة المفقودة.
وفي الوقت الذي يحتفل فيه العالم باليوم العالمي للطفل في العشرين من نوفمبر، يوم يُخصص للحديث عن حقوق الأطفال في التعليم والغذاء والحياة الكريمة، يجلس أطفال غزة وسط الخراب والدمار يتساءلون عن حقوقهم وعن دور الجمعية العامة للأمم في المطالبة بحياة كريمة لهم.
كيف يمكن لطفل أن يحلم بمستقبل أفضل وهو يقضي أيامه في الشقاء بدلاً من التعلم واللعب؟ وكيف يمكن لطفولة أن تزدهر في بيئة تفتقر لكل مقومات الحياة؟.
أكثر من 17 ألف طفل قتل خلال الحرب على غزة وأصيب عشرات الآلاف، بينما 209 ولدوا في الحرب واستشهدوا فيها، كذلك 825 شهيدا عمره أقل من عام، و 35 ألف طفل يتيم الأب أو الأم أو كلاهما.