يستغل الاحتلال الإسرائيلي انشغال العالم بمتابعة أخبار الإبادة الجماعية والمجازر في قطاع غزة، ويعمل دون هوادة على التغلغل في مخيمات الضفة ومحو معالم الحياة فيها، حيث تعمل دباباته ليل نهار منذ السابع من أكتوبر 2023 على هدم البيوت الفلسطينية داخل المخيمات، وخاصة في "جنين وطولكرم ونور شمس".
ولم يقتصر الأمر على هدم البيوت فقط، بل نزح الآلاف من سكان المخيمات الثلاثة من بيوتهم تحت القصف ورصاص الدبابات، إلى جانب إرهاب المستوطنين لتهجيرهم قسرًا في محاولة لفرض واقع جديد على الأرض، حيث تتسارع عمليات ضم الأراضي بوتيرة غير مسبوقة، تعادل ما تم الاستيلاء عليه خلال 24 عامًا مجتمعة.
في تقرير نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، كُشف عن خطة الجيش الإسرائيلي الأوسع في المخيمات الفلسطينية (جنين وطولكرم ونور شمس) في شمال الضفة الغربية، والتي تهدف إلى ضمان حرية نشاط القوات وخلق واقع أمني جديد.
ويدّعي جيش الاحتلال أنه يُمَشّط عددًا كبيرًا من منازل المخيمات الثلاثة بحجة استخدامها كغرف عمليات للفصائل الفلسطينية ومختبرات لإعداد عبوات ناسفة.
وبحسب التقرير، هدم الاحتلال في مخيم جنين 200 منزل، وشقّ طرقًا بطول إجمالي بلغ 5 كيلومترات، بينما هدم في مخيم نور شمس نحو 30 منزلًا وشق طرقًا بطول نصف كيلومتر، وفي مخيم طولكرم هدم 15 منزلًا وشق طريقًا بطول 200 متر، وذلك لتسهيل عمليات الاقتحام.
لم تقتصر مخططات الاحتلال على تغيير ملامح المخيمات الثلاثة، فهناك خطط مماثلة للمخيمات الـ18 المتبقية في الضفة، لكنها ليست قيد التنفيذ حاليًا، بل جاهزة للتفعيل إذا ما اعتُبر أي من هذه المخيمات يشكل تهديدًا مشابهًا لمخيم جنين، كما يدّعي الاحتلال.
دور السلطة في محو ملامح مخيمات الضفة؟
خلال العملية العسكرية من هدم وقصف ونزوح لسكان المخيمات الثلاثة (جنين، طولكرم، ونور شمس)، تم مسح العديد من طرق المرور التي تربط الفلسطينيين بالأراضي المحتلة، وتم وضع بوابات في المصارف لتساعد الاحتلال في عمليات العزل والبحث عن المطلوبين.
ويعمل الاحتلال أيضًا على فرض واقع أمني جديد، يربط بين مخيمات الضفة بطريقة هندسية وفق رؤيته الخاصة، لمنع المواجهات والعمليات الفدائية.
وقبل نحو شهر، وفي حوار مطوّل على القناة الإسرائيلية الرابعة عشرة، تناول الإعلام العبري ما يجري في مدينة ومخيم جنين شمال الضفة الغربية، وغايات الحكومة الإسرائيلية من تلك العملية العسكرية.
وقد عرض مقدم البرنامج مقاطع فيديو لحملات الاعتقال المكثفة التي تقوم بها أجهزة الأمن الفلسطينية، تزامنًا مع عملية عسكرية واسعة النطاق وغير مسبوقة من قبل قوات الاحتلال، معلّقًا: "يجب أن يعلم المجتمع الإسرائيلي أن السلطة الفلسطينية تقوم بدور جيد في حفظ الأمن في الضفة الغربية"، فقاطعه المحلل العسكري معتبرًا ذلك غير كافٍ، وقدّم شرحًا لهدف العملية العسكرية المتواصلة، قائلًا: "إن إسرائيل لا تقوم بمجرد عملية عسكرية أمنية في جنين، بل تختبر نموذجًا جديدًا لحكم الضفة الغربية، يتم إنضاجه تدريجيًا وسيستمر حتى نهاية العام الجاري، ليُعمّم بعد ذلك على باقي مدن الضفة الغربية."
وعن العلاقة مع السلطة الفلسطينية، أوضح المحلل أن "أجهزة الأمن الفلسطينية تقوم باعتقال كثير من المطلوبين، لكن هذا غير كافٍ، فجزء من أهداف العملية العسكرية في جنين هو إعادة هندسة العلاقة مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، بحيث تصبح تفكّر كما نفكّر، بل وتسبقنا بعشر خطوات."
ما هي مآرب الاحتلال في محو ملامح مخيمات الضفة؟
في الشهور الأخيرة، وحتى قبل السابع من أكتوبر، بدأ الاحتلال باستخدام الدبابات لاقتحام مخيمات الضفة، وإطلاق القذائف صوب البيوت، وتدمير البنية التحتية بشكل كبير.
وفي مداخلة صحفية، يقول الخبير العسكري قاصد محمود إن استخدام الجيش الإسرائيلي للدبابات له وقع نفسي قاسٍ على سكان هذه المخيمات، ما يُفسَّر على أنه "تأكيد على أنهم المستهدفون، وليس مقاتلو فصائل المقاومة الفلسطينية".
ويرى أن هذا التحرك العسكري الواسع في الضفة يهدف إلى "تحقيق مرحلة متقدمة من المشروع الصهيوني في الضفة الغربية، وهي مرحلة فرض السيادة العسكرية، ثم مرحلة الضم بدءًا بالمخيمات وتهجير سكانها".
كما يرى أن هذه العملية العسكرية دليل على فشل (إسرائيل) في غزة، وأنها تمثل فرصة مواتية لها للبدء في ضم المخيمات، ثم التوسع إلى باقي مناطق الضفة.
وعن مستقبل اللاجئين النازحين، يضيف محمود أن الاحتلال يقصد توجيههم إلى المدن الفلسطينية الرئيسية في المنطقة (أ)، والتي تعاني أصلًا من النشاط الاستيطاني، ما يؤدي إلى التضييق على حياتهم من خلال انعدام فرص العمل، ومضاعفة أعداد الحواجز العسكرية، تمهيدًا لتهجيرهم لاحقًا.