قائد الطوفان قائد الطوفان

فتح ..انتهت الحقبة العرفاتية وبدأت العباسية

ابو مازن في الصورة وعرفات في الخلفية
ابو مازن في الصورة وعرفات في الخلفية

فتح ..انتهت الحقبة العرفاتية وبدأت العباسية

كتب المحرر المسئول

كان مؤتمر فتح  السادس مؤتمر السلطة لا الثورة  بامتياز .. المؤتمر لم يقر أية برامج , وبديهي أن العنوان كان محمود عباس وخطابه في المؤتمر. ويمكن القول أن خطاب أبو مازن كان في مفرداته من الألف إلى الياء خطاب السلطة. وعندما انتخب المؤتمرون الرئيس عباس بالإجماع وبالتزكية وضعوا أنفسهم تحت عباءته، ربما إدراكا منهم جميعا، بأن الخيار الآخر انتحاري. وهكذا، عدا خلافات في الهوامش، لم تكن هناك نقاشات سياسية لا عاصفة ولا هادئة. كان المؤتمر، بانعقاده، ومكانه، وتشكيلته، إقرارا بواقع سياسي غلب على فتح قبل عقد المؤتمر بكثير. قد يعود البعض إلى عودة فتح إلى الرئيس عباس مع اقتراب غياب الشهيد ياسر عرفات رغم أن كثيرين منهم كانوا قد وصفوه بـ" قرضاي فلسطين"

و في هذه المرحلة، وبعد تجاذبات في اللجنة المركزية تمكن أبو مازن من شد معظم الحبال إلى طرفه، أبو مازن تمكن من ذلك بسبب جمعه رئاسة السلطة والمنظمة وفتح في شخصه،  وهو من هذه المواقع بات المتحكم بموارد هذه الساحة، في وضع باتت حركة فتح بمنتسبيها تعتمد على الموارد المتأتية من السلطة (بعد أن ضيّعت مواردها الخاصة). فضلاً عن ذلك فإن أبو مازن من مواقعه المذكورة بات يتحكم بتسمية كوادر فتح إلى هذا الموقع أو ذاك في السلطة. وثمة عامل آخر لا بد من ذكره وهو يتعلق بخبو الطاقة الكفاحية بين كادرات فتح، بعد أن تبوأت، طوال عقدين من الزمن، مواقع متقدمة في المنظمة والسلطة والمنظمات الشعبية، بكل ماشاب ذلك من علاقات فساد وسلطة وترهل.

اما برنامج فتح السياسي فقد تركز في نقطة واحدة .. الانتخابات.. انتخاب الرئيس وانتخاب اللجنة المركزية والمجلس الثوري, فالرئيس عباس وصل إلى الحكم من باب شرعية السلطة وعبر تشكيك فتحاوي لا يستهان به. أما اللجنة المركزية لفتح ومجلسها الثوري، فكانا أقرب إلى الهلامية من أي شيء آخر. وكان عصر النقاشات في اللجنة المركزية والمجلس الثوري لفتح قد ولى بعدما اختصرت فتح في الزعيم.
وتكفي نظرة واحدة إلى نتائج انتخابات اللجنة المركزية لحركة فتح لإظهار عدد من الملاحظات. صحيح أن نسبة التغيير كانت كبيرة جدا في وجوه أعضاء هذه اللجنة وهو أمر انطوى على بعض المفاجأة. فمن بين 18 عضوا، تم إبقاء أربعة فقط هم أبو ماهر غنيم وسليم الزعنون ونبيل شعث وعباس زكي. وحل 14 عضوا جديدا في عضوية اللجنة المركزية ولكن التغيير في الواقع لم يأت سوى بأسماء قليلة جدا كانت بعيدة عن التأثير الفعلي.

وقد بدا واضحا أن شخصيات أمنية مركزية أدت أدوارا بالغة الأهمية في السلطة (ثلاثة من قادة الأجهزة الأمنية جبريل الرجوب، توفيق الطيراوي، محمد دحلان) فازت, كما أن شخصيات ذات صلة سابقة أو لاحقة بمؤسسة المقاومة مثل محمود العالول (الذي غدا محافظ نابلس قبل أن يصير وزيرا) واللواء عثمان أبو غربية (رئيس مؤتمر القدس) والأسير مروان البرغوثي. وهناك شخصيات كانت بارزة على الصعيدين الإعلامي أو المصلحي بفعل موقعها السياسي مثل ناصر القدوة وعزام الأحمد وحسين الشيخ وجمال محيسن ومحمد اشتية.

ويمكن القول أن انتخابات اللجنة المركزية لفتح نقلت مركز الثقل القيادي بشكل نهائي إلى الأرض المحتلة. وتكفي هنا الإشارة إلى أن الوحيد بين فلسطينيي الشتات الذي نال عضوية اللجنة المركزية هو اللواء سلطان أبو العينين من لبنان ومعلوم مقدار حساسية هذه الساحة.
ومهما قيل عن مؤتمر فتح السادس ,فانه يصعب القول أن المؤتمر شكل انطلاقة جديدة, فهو في أحسن الأحوال تصريح لمن قاد مسيرة فتح السياسية والتنظيمية في السنوات القليلة الماضية بمواصلة قيادتها.

ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن الانقلاب على جزء كبير من القيادة السابقة يحمل في طياته إنذارا للقيادة الجديدة بضرورة إدراك أن تغييرا يمكن أن يحدث ولو بعد حين. ولعل خسارة أحمد قريع (أبو العلاء) تعني أكثر من أي شيء آخر أن الاتهامات له بالفساد وجدت لها ترجمة ولو متأخرة بعقاب انتخابي.
وبلغة النتائج، عزز الرئيس الفلسطيني موقعه في حركة فتح مع استبعاد ما يعرف بـ«الحرس القديم» من قيادة الحركة، بعدما أظهرت نتائج الانتخابات لعضوية اللجنة المركزية فوز 14 عضواً من الجدد ومن جيل الشباب وذلك من أصل 18 عضواً جرى انتخابهم في ختام المؤتمر السادس.
وهكذا فإن روح القبيلة في فتح تواطأت على ضرورة عقد المؤتمر، وهو ما تم بالطريقة التي تم بها، حيث افتقد المؤتمر أية معايير تنظيمية في عضوية المشاركين فيه (أضافت اللجنة المركزية 700 عضو دفعة واحدة قبيل المؤتمر أي بمقدار ثلثه!)، كذلك افتقد هذا المؤتمر لأي نقاش سياسي جدي في شأن مراجعة تجربة فتح، وطريقة قيادتها، وأسباب إخفاق خياراتها السياسية، وتراجع دورها، كما في شأن تحديد الخيار السياسي أو البديل الواجب السير فيه، بعد إخفاق خياري المقاومة والتسوية، وبعد انسداد فرص إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع.

بقي أن نتحدث هنا عن دور العامل الإسرائيلي في التسهيل على فتح عقد مؤتمرها في بيت لحم (تحت حراب الاحتلال)، حيث تسيطر إسرائيل على المداخل والمخارج وعلى حياة الفلسطينيين وسلطتهم. وهذا سياق طبيعي بعد انتقال ثقل فتح والحركة الوطنية إلى الداخل، فإن إسرائيل سهلت الأمر على فتح مراهنة منها على التغييرات التي تنتظر حدوثها في فتح، بحيث أن المؤتمر يمكن أن يضفي شرعية، وأن يمنح قوة، لمواقف أبو مازن في الساحة الفلسطينية، بعد انتخابه قائداً لفتح وهذا ما حصل.

 

البث المباشر