فايز أيوب الشيخ
أتاحت الثورة المصرية الفرصة لفتح صفحة جديدة في العلاقات المصرية الفلسطينية، لاسيما مع حكومة هنية التي جاءت بأغلبية ساحقة، بينما تجاهلها النظام المصري "المخلوع" ولم يحترم إرادة الشعب الفلسطيني واختياره.
وتبادل لأول مرة رئيس الحكومة الفلسطينية والوزراء ونواب المجلس التشريعي مع نظرائهم المصريين الرسائل، وكان آخرها رسالة وزير الخارجية المصري نبيل العربي التي أكد فيها على أن من أولويات الحكومة المصرية فك الحصار الصهيوني و التحرك لفتح معبر رفح وتسهيل الحياة على الفلسطينيين في القطاع.
قواعد جديدة
ويتوقع د. يوسف رزقة المستشار السياسي لرئيس الوزراء، أنه في ظل التغيير العميق الذي يحدث في مصر "أن تعمل الأخيرة على استعادة دورها في رعاية القضية الفلسطينية ".
وأوضح في حديثه لـ"الرسالة نت" أن ما وصفها "القواعد الجديدة" يجب أن تحاكي روح الثورة المصرية وتلبي طموحات الشعب المصري الثائر الذي يرى المحتل الصهيوني للأراضي الفلسطينية على أنه العدو المركزي والرئيسي للأمة العربية والإسلامية.
وأشار إلى أن هذه الأيام تشهد تمازجاً بين الموقف الرسمي للحكومة المصرية والموقف الشعبي للشعب المصري المناصر للقضية الفلسطينية، لافتاً الى أن هذا التمازج خلق تواصلا ايجابيا بين الحكومة الفلسطينية في غزة والحكومة المصرية الجديدة.
وأجرت وزارة الخارجية والتخطيط في الحكومة الفلسطينية بغزة اتصالات مكثفة للتواصل مع السلطات المصرية بخصوص قضية الفلسطينيين العائدين من ليبيا لتمكين العالقين من عبور معبر رفح البري.
وفي السياق، ذكر رزقه أنه بالرغم من عدم خروج وفود من الحكومة الفلسطينية إلى مصر حتى الآن، إلا أن هناك خطابات متبادلة من وزارة الخارجية في غزة مع نظيرتها في مصر، إضافة إلى حدوث ما قال عنها "لقاءات هامشية" غير مخطط لها جرت بين وزير الخارجية المصري وشخصيات فلسطينية في تركيا .
وعلى الصعيد ذاته، أكد رزقة أن جميع وزراء الحكومة الفلسطينية تبادلوا رسائل مباركة وتهنئة بنجاح الثورة المصرية واستلام المناصب مع نظرائهم المصريين، مشيراً إلى أنه لأول مرة يحدث مثل هذا التواصل الثنائي منذ أن تسلمت حركة حماس الحكم في 2006.
وأضاف " هذه تعتبر خطوة مهمة جداً في تمهيد الطريق إلى التعاون المشترك وخروج الملف الفلسطيني من قبضة الأمن والمخابرات المصرية إلى أفق العمل السياسي الواسع".
وتطرق رزقة إلى تصريح وزير الخارجية المصري حين قال "بأن الحصار على قطاع غزة يخالف قواعد القانون الدولي والإنساني وأنه باطل ويجب رفعه عن قطاع غزة"، معتبراً ذلك التصريح "غاية في الأهمية ولعله أقوى تصريح يخرج من مسئول مصري منذ ثلاثين عاماً "، على حد تعبيره.
وذكر رزقة أن الحكومة الفلسطينية تُقدر المواقف السياسية المسئولة للحكومة المصرية فيما يتعلق بالتوافق الفلسطيني والمصالحة الفلسطينية، مؤكداً على أن هذه المواقف بنيت على قواعد جديدة رسمتها حركة التغيير العربي سواء كانت الثورة المصرية أو التونسية بعد أن ثبت أن القديم يجب أن ينتهي في جميع الساحات العربية ومنها الساحة الفلسطينية.
إضافة نوعية نحو غزة
واتفق النائب المستقل الدكتور حسن خريشة مع سابقه بأن تصريحات وزير الخارجية المصري حول حصار غزة "تندرج في نية مصر رفع الحصار عن قطاع غزة"، معرباً عن اعتقاده أنها "إضافة نوعية لأن تصبح مصر عمقا استراتيجيا لغزة".
ولفت خريشة لـ"الرسالة نت" إلى أن قادة الاحتلال يرصدون بحالة من القلق الشديد كل إشارة قادمة من القاهرة باتجاه فلسطين وخاصة إلى غزة، موضحاً أن –الإسرائيليين- حذرون في التعاطي مع التغيير الحاصل في الوطن العربي، لا سميا في مصر، و قال "إن هناك ملفات فساد ستفتح في تعاطي رموز من الأنظمة العربية والنظام المصري السابق مع إسرائيل(..) وهذا يخلق ربما حالة توتر وتوجس وخطط جديدة للإسرائيليين "، حسب تعبيره.
وعلى صعيد المصالحة الفلسطينية، رجح خريشة أن يكون هناك نضوج في الدور المصري على الرغم من انشغاله في ترتيب أوضاعه الداخلية، معرباً عن اعتقاده بأن مصر ستحاول اذابة الجليد بين الضفة وغزة وايجاد نوع من التواصل لتحقيق الهدف المرجو من المصالحة.
وكانت مصادر دبلوماسية مصرية أكدت أن العربي طالب وفد حركة فتح الذي التقاه مؤخراً، بعدم وضع أي شروط لتحقيق عملية المصالحة ، مُلمحة إلى أن الخارجية المصرية تدرس الآن توجيه دعوه رسمية لوفدين مصغرين من حركتي حماس وفتح للتشاور في النقاط الخلافية.
تبني نهج آخر للوحدة
غير أن أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الدكتور عبد الستار قاسم، كانت له وجهة نظر مغايره عن سلفيه ، فقد اعتبر من جانبه "أن المصالحة ليست بحاجة لجهود الدول بما فيها ذلك الدور المصري".
وعلل قاسم وجهة نظره لـ"الرسالة نت" بأن تحقيق المصالحة الفلسطينية تحتاج إلى موقف فلسطيني واضح من المفاوضات الفاشلة والإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال في الضفة الغربية، مضيفاً "نحتاج لتبني نهج آخر(..) وهذا يوحدنا تلقائياً دون أن نجلس معاً"، على حد تعبيره.
ولم يحبذ قاسم التعويل كثيراً على التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية المصري فيما يتعلق بموقفه الإيجابي من الحصار على قطاع غزة، فقال "إن الحكومة المصرية الحالية هي حكومة مؤقتة وما يصدر عنها ليس سياسات نظام جديد، وبالتالي هذه المواقف لا تعبر عن سياسة حقيقية لمصر في الوقت الراهن على الأقل، وعلينا أن ننتظر حتى تجري الانتخابات ويتشكل النظام الجديد"، حسب وجهة نظره.
و لم يقلل قاسم من أهمية الرسائل المتبادلة بين وزراء الحكومة الفلسطينية في غزة ونظرائهم في مصر، معتبراً ذلك "مدخلاً إيجابياً "، داعياً الحكومة إلى تقوية العلاقات وعدم الانعزال والبقاء على اتصال دائم مع القيادة المصرية.
وحول الموقف المصري المتوقع تجاه "إسرائيل" في المرحلة المقبلة، قال قاسم "إن الثورة في مصر هي ثورة شعب وليست ثورة أشخاص، وبالتالي فإن كل الثورات في الأقطار العربية ستكون معادية لإسرائيل وبالتالي ستستفيد المقاومة الفلسطينية من هذه الثورات".
وأضاف "كل الشعوب العربية مع هموم الأمة العربية وعلى رأسها الهم الفلسطيني، وهذا ما يزعج إسرائيل كثيراً وهو أحد الأسباب في الهجمات المتكررة على قطاع غزة ".
تجدر الإشارة، إلى أن عددا كبيرا من المسافرين الفلسطينيين عبر معبر رفح أرجعتهم السلطات المصرية دون إبداء الأسباب، ما يؤكد أن درج عليه اصطلاح "بلاك ليست" مازال قائماً في أجهزة حاسوب الجانب المصري من المعبر.