الرسالة نت – إيمان جمعة
"بابا راح على الجنة, وأنا بس أكْبر بدي أروح عندو".. ببراءة الأطفال نطقت الطفلة "آية" بهذه الكلمات حين سألتُها عن والدها.
فآية.. لم تبلغ الرابعة من عمرها بعد, وهي الابنة الأكبر للقيادي القسامي تيسير أبو سنيمة, تضيف آية: "بابا دايمًا بيقول: يا آية احفظي القرآن عشان تروحي على الجنة, هو راح وسبقني, وأنا بدي أحفظ القرآن وأستشهد مثل بابا".
القيادي أبو سنيمة (28عاما) من سكان الشوكة شرق مدينة رفح.. متزوج وله من الأطفال بعد آية "محمد" (سنتين).. رجل مقدام لا يعرف التردد, فعندما يناديه واجب المقاومة لا يتساهل عن الإجابة فورًا.
"طيب القلب.. قليل الحديث".. هكذا وصفته زوجه أم محمد: "في ذلك اليوم اتصل به مقاوم طالبًا منه الخروج بسبب التصعيد الإسرائيلي المتزايد, فلم يتردد..".
وتوضح أم محمد أن زوجها لم يكد يصل المقاومين "محمد عواجة وشادي الزطمة" في شارع "النص" بحي تل السلطان برفح، إذ بطائرة حربية إسرائيلية تطلق صاروخين ليرتقي زوجها والشهيد عواجة مباشرة.
أرق من النسمة
وبأعينٍ كانت كالجمر, تصفه أمه أم ياسر بالقول: "كان يقول أنه لن يموت إلا شهيدًا بإذن الله, وتهيّئنا جميعا لهذا الأمر"، مشيرة إلى أنهم ورغم استعدادهم لهذه الصدمة لكنهم لا يستطيعون تصديق أن تيسير رحل عنهم ولن يعود مرة أخرى.
وعن تلقيها خبر استشهاده تقول أم ياسر ودموعها تنهمر على وجهها: "حينما سمعت خبر قصف قريب من إخوته، أغمضت عيني, واضعةً وجهي بين كفيّ وقلت: تيسير.. هو تيسير.. إننا لله وإنا إليه راجعون".
السواد يتشح المكان مع قليل من الدموع وكثير من الألم, قبل أن تكمل أم ياسر حديثها، نظرت لزوج ابنها تيسير وقالت: "كان أرق من النسمة, اسألي زوجه وجيرانه وأصحابه.. حتى المقاومون سيخبرونكِ من هو تيسير".
أما زوج الشهيد تيسير فتقول: "في كل جمعة نلتقي أنا وزوجي وأولادنا, يأتي ليأخدنا للمنزل.. لكنه في الجمعة الأخيرة لم يتصل، فحاولت الاتصال به كثيراً لكن بلا إجابة؛ فقد كان هاتفه مغلقاً".
وأكملت: "أغمضت عيني وناجيت ربي أن أستطيع رؤيته, أو سماع صوته للمرة الأخيرة, لكن لم يكن هناك مرة أخيرة".
ثم أضافت وهي واضعة يدها على بطنها بحسرة: "حتى ابنه الثالث لن يرى أباه لو لمرة واحدة", موضحة أنها في الشهر الثامن من حملها، وكانت متأملة أن يرى تيسير المولود الجديد.
جهاد نوعيّ
منذ خمس سنوات والقيادي أبو سنيمة مطلوب للاحتلال الصهيوني بتهمة المشاركة والتخطيط في عملية أسر الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط"، ويعتبر كذلك أحد المخططين لها وفق ما يدعيه الاحتلال.
يذكر أن الشهيد كان في إحدى المهمات مرابطًا بجوار منزله في منطقة الشوكة، فدخلت قوات خاصة لاختطافه, وكانت الطائرات المروحية الإسرائيلية مشاركة في العملية, لكنه استطاع الانسحاب من المكان رغم حصار المنطقة بالقوات الخاصة.
بعد ذلك، انتقل أبو سنيمة وعائلته إلى منطقة أخرى في حي العطاطرة شمال شرقي مدينة رفح, لكنه عاد للانتقال بزوجه وأولاده إلى منزل بحي تل السلطان.
وبعد فترة من العمل الجهادي حصل على ترقية كقائد كتيبة تل السلطان, وشارك أبو سنيمة في صد كثير من عمليات التوغل التي استهدفت مناطق شرق رفح خاصةً, وقد نجا من عدة عمليات اغتيال من صواريخ (أرض-أرض)، لكن قدر الله شاء أن يكون استشهاده في هذه المرة.