واشنطن – وكالات
كشف مسؤولان أميركيان أن إدارة الرئيس باراك أوباما، وضعت خطط طوارئ عسكرية مفصلة للاشتباك مع القوات الباكستانية حال اعتراضها عملية سرية نفذتها قوة كوماندوز أميركية لتصفية زعيم تنظيم القاعدة.
وقال أحد المسؤولين لـ"سي ان ان": "لم نستبعد خيار الاشتباك" أثناء المهمة التي استغرق تنفيذها، على الأرض بواسطة وحدة "سيلز" - نخبة قوات البحرية الأميركية - 38 دقيقة، أو أثناء تحليق مروحياتنا".
وأردف: "كنا سنفعل كل ما بوسعنا وما يتطلبه الوضع لإخراج رجالنا من هناك". ورفض المصدران كشف هويتهما نظرا لحساسية المعلومات، حسب "سي ان ان".
وتحدث المسؤولان المطلعان على تفاصيل العملية عن خطة وضعت حال اعتقال بن لادن حيا وتتضمن اقتياده إلى أفغانستان ومن ثم على حاملة الطائرات "USS كارل فينسن" في بحر العرب، حيث جرى إعداد طواقم من المحامين والأطباء والمحققين والمترجمين للتعامل معه.
ولفت أحدهم إلى أن بن لادن كان سيخضع للاختبارات الطبية عينها التي أخضع لها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ساعة اعتقاله.
وأوضح آخر أن كافة كبار المسؤولين من شاهدوا وقائع العملية، بجانب الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض، كانوا على استعداد للاتصال بنظرائهم الباكستانيين إذا لاح احتمال اشتباكات وشيكة بين الجانين، فعناصر "السيلز" مخولون وفي جميع الأوقات حق الدفاع عن النفس.
وأثناء تنفيذ مهمة مهاجمة مجمع بن لادن في منطقة "أبوتاباد"، ظلت عناصر من القوة الخاصة بالخارج للمراقبة ولإبعاد أي دخلاء، علما أن بعضهم يتحدث اللغة المحلية التي يتحدث بها سكان المنطقة، وفق مسؤول.
كما حلقت عدة طائرات أميركية مقاتلة في "مهمة وقائية"، قال مصدر إن أي منها لم تدخل المجال الجوي الباكستاني، لكنها كانت على أهبة الاستعداد للقيام بذلك أن اقتضت الضرورة. كما قام فريق قتالي بالتحليق على متن مروحيات "بحث وإنقاذ" عسكرية استعدادا للتدخل.
وأوضح مسؤول إن مروحية تحمل طاقما عسكريا طبيا استبدلت مروحية "شبح" تحطمت أثناء حملة الدهم، وصلت إلى مجمع بن لادن في غضون نصف ساعة من استدعائها.
وأكد أحدهم أن كافة الأجهزة العسكرية والاستخباراتية الأميركية كانت تقوم بعمليات مراقبة متواصلة للمنشآت العسكرية الباكستانية لرصد أي تحركات للتدخل.
وعقب تصفية بن لادن، طارت القوة بجثته إلى أفغانستان، واتصل رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الأدميرال مايك مولين، بنظيره الباكستاني الجنرال أشفق كياني، لطلب تصريح بدخول الطائرات المقاتلة الأميركية المجال الجوي الباكستاني مجددا لنقل الجثة إلى حاملة الطائرات، بعد عدة ساعات من العملية.
هذا وأعلنت وكالة الاستخبارات الأميركية أنها بدأت بإطلاع أعضاء لجان دفاعية واستخبارية في الكونغرس الأميركي على صور جثة أسامة بن لادن.
وصرح السيناتور الجمهوري عن ولاية اوكلاهوما جيمس اينهوفي لـ"سي ان ان" بأنه رأى 15 صورة لبن لادن ميتا. وأشار الى أن الصور التي التقطت فور مقتل بن لادن "مرعبة"، مضيفا أن "إحدى الرصاصات اخترقت إحدى الأذنين لتخرج من عينه، أو أنها اخترقت العين وانفجرت وخرج قسم من الدماغ من محجر العين".
وقد اعاد القضاء على أسامة بن لادن إطلاق الجدل حول نطاق الانسحاب الأميركي من أفغانستان وأسباب انتشار عشرات آلاف الجنود الذين أرسلوا إلى الجبال الأفغانية قبل حوالي عشر سنوات لملاحقة عناصر شبكة القاعدة.
كان هدف التدخل الاميركي بعد اسابيع على اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر 2001 ملاحقة عناصر القاعدة وزعيمها. وبعد عشر سنوات، يواجه حوالي مئة الف جندي أميركي و44 الف جندي من حلف شمال الاطلسي تمردًا من قبل حركة طالبان الافغانية.
ويقول ليسلي غلب الموظف الرسمي الكبير السابق في مقالة نشرتها الاثنين صحيفة "وول ستريت جورنال" ان المقاتلين الاجانب من القاعدة قد يكون عددهم اقل من 200 عنصر في البلاد.
وكتب "المهمة انجزت، على الاقل وفقًا لما هو لازم وممكن". واضاف "في افغانستان لم يعد الامر يتعلق بمصالح الامن الحيوية لأميركا. وإنما فشل النخب السياسية الاميركية في الاخذ بالاعتبار واقعين بسيطين: وهما ان تهديد القاعدة لم يعد مركزًا في ميدان المعركة السابق هذا، وان مكافحة حركة طالبان هي أمر يجب ان يقوم به الافغان بأنفسهم".
ومن المرتقب ان تنقل الولايات المتحدة وحلف شمال الاطلسي المهام الامنية للقوات الافغانية بحلول نهاية العام 2014. لكن مع مقتل بن لادن تتكثف التكهنات مع اقتراب تموز/يوليو 2011، وهو الموعد الذي اعلنه الرئيس الاميركي باراك اوباما لبدء انسحاب القوات الاميركية.
ويرى غالبية المراقبين ان بدء الانسحاب يتوقع ان يكون محدودًا او حتى رمزيًا. وتحدثت صحيفة "وول ستريت جورنال" الثلاثاء عن انسحاب خمسة الاف رجل في تموز/يوليو وخمسة الاف اخرين بحلول نهاية السنة، وهو ما اعتبرته اوساط الجنرال الاميركي ديفيد بترايوس مجرد تكهنات. ويفترض ان تقدم قيادة القوات الدولية في افغانستان قريبًا توصياتها إلى الرئيس.
ورأى روبرت لامب من مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية والمؤيد مواصلة التدخل الاميركي أن القضاء على بن لادن "سيجعل النقاش حول وتيرة الانسحاب بالتاكيد اكثر حدة".
وقال "رغم ان مقتل بن لادن يعتبر حدثًا مهمًا فإنه لا يزال رمزيًا الى حد كبير من وجهة نظر استراتيجية". واضاف ان "ترك الافغان مع حكومة لا يمكنها ضمان الامن سيكون مثل تكرار الخطأ الذي حصل في باكستان قبل عشرين عامًا" حين تراجع اهتمام الولايات المتحدة الى حد كبير بالمنطقة بعد الانسحاب السوفياتي من افغانستان.
في هذا الاطار، يعارض ابرز مسؤولين في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الديموقراطي جون كيري والجمهوري ريتشارد لوغار أي انسحاب "عشوائي" او "متسرع".
لكنهما يعبّران عن قلقهما ازاء الكلفة المستمرة لحرب يفترض ان تخصص لها واشنطن 107 مليار دولار عام 2012 فيما تواجه البلاد ازمة موازنة.
وقال ستيفن بيدل الخبير في مجلس العلاقات الخارجية، وهو مركز ابحاث اميركي، ان "المواقف حول عواقب مقتل بن لادن على النزاع تتوافق مع ما كان يفكر به الناس بالحرب قبل القضاء عليه".
ورغم ان 59% من الاميركيين يعتبرون ان المهمة انجزت، ويؤيدون الانسحاب من افغانستان، كما اظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة "يو اس ايه توداي" الاربعاء، فإن باراك اوباما لا يواجه ضغوطًا لا من الشارع ولا في الكونغرس ومن غير المتوقع ان يغيّر استراتيجيته كما رأى بيدل.
وقال لوكالة فرانس برس انه "كان لدى الرئيس فرص عدة لاتخاذ قرارات تغير المسار في افغانستان، لكنه كان ثابتًا بشكل لافت".
واضاف ان الادارة ترغب باعتماد مقاربة تعكس "المصالح المحدودة" للولايات المتحدة في افغانستان. وقال "لكن المشكلة هي أن ليس هناك إجراء نصفي".