مصطفى الصواف
ثلاثة وستون عاما على النكبة الفلسطينية وما زال الشعب الفلسطيني أكثر إصرارا على العودة من ذي قبل، في هذا العام يؤكد الشعب الفلسطيني على حقيقة ثابتة: العودة لم تعد حلما بل باتت حقيقة واقعة، لأنه لم ينس أرضه بل زاد تمسكا بها، حُمل الأمانة فحملها رغم أنها أثقل من الجبال، وبات يقول: شل قلبي لو نسيتك يا فلسطين.
تأتي الذكرى الثالثة والستين وأجيال فلسطينية متعاقبة، وجيل يسلم الجيل الذي يليه الراية والمفتاح والكوشان وبات المشهد متشابكا يدا بيد، يد احتفظت بالمفتاح وحافظت على الطابو ويد استلمت المفتاح والطابو وتعلن اليوم أنها ستمضي نحو العودة وستدفع الثمن لهذه العودة، وهي بذلك كذبت مقولة الصهاينة: الكبار يموتون والصغار ينسون ، وهم يمنون أنفسهم بها ظانين أن هذه الأكذوبة على مر الأيام ستكون أمرا واقعا، وصدموا وهم يرون الصغار أكثر تمسكا وحرصا على العودة ولم ينسوا ارض أجدادهم ولا القوا بمفاتيح الدور بل لمّعوها وصانوها واحتفظوا بها، واليوم يرفعونها عاليا شعارا للعودة.
بعد ثلاثة وستين عاما بات المحتل والمغتصب أكثر اندهاشا وصدمة مما يرى، من زحوف تدق الجرس وتقرع الجدران وتزحف نحو التخوم حاملة إنذارا أوليا للمحتلين يؤكد على أن زمن هذا المحتل قد ولى فلم يعد الزحف قاصرا على الفلسطينيين في غزة والضفة أو في الشتات والمهجر بل يشارك في الزحف ملايين العرب من مصر والأردن ولبنان كدول مجاورة لفلسطين المحتلة الأمر الذي دفع العدو للإعلان عن حالة الاستنفار القصوى خوفا ورعبا من هذه الزحوف الهادرة الداعية المحتل للرحيل عن فلسطين رافعة شعار: ( الشعب يريد تحرير فلسطين ).
لقد غيرت الثورات الشعبية الواقع الماضي وطردت الخوف من القلوب وجعلت من فلسطين قبلة القلوب وراحة النفوس ومبتغى الجميع، ستزحف هذه الملايين يوما ما إلى فلسطين غير آبهة بالموت أو التهديد، لأنها تسعى إلى هدف اسمى من كل ذلك وهو تحرير فلسطين من الاحتلال، لان فلسطين هي ارض وقف إسلامي وهي قبلة المسلمين الأولى ومسرى رسولهم الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ومهبط الديانات السماوية وفوق كل ذلك هي آية من كتاب الله.
لن يتوقف إحياء الذكرى عند يوم أمس، بل ستتحول الأيام القادمة إلى أيام تحمل الكثير من المفاجئات والتحركات وجميعها يصب نحو هدف واحد وهو تحرير فلسطين وطرد المحتل، فلم يعد هناك مجال لهذا المحتل المرعوب والخائف من النتائج لأنه لا يمكن له أن يفعل شيئا أمام هذه الملايين الزاحفة التي لا تحمل إلا أهدافا مشروعة ولا تتسلح إلا بالحق وهو اقوى من كل الأسلحة.
نعم قد لا يعجب هذا التصرف المحتل وقد يرتكب حماقات وجرائم ولكن ماذا عساه أن يفعل أمام هذا السيل الجارف وماذا سيقول للعالم هل هؤلاء إرهابيون؟، هل هؤلاء يطلقون الصواريخ؟ أو يتمنطقون بالأحزمة الناسفة أو يمتشقون السلاح؟، هؤلاء جاءوا بصدور عارية يحملون شعار العودة ومفتاح وكوشان الطابو، وعزيمة لا تلين، وهمة لا تستكين.