فايز أيوب الشيخ
اصطدمت حكومة الوفاق الوطني المرتقبة، بعقبة دستورية كبيرة ربما ستحول دون أن يصادق عليها معظم الكتل البرلمانية في المجلس التشريعي، وذلك لمخالفتها الدستور الفلسطيني من خلال مرسوم رئاسي يمنح-حكومة الوفاق- العمل مدة شهر تحت مبرر تسويقها خارجياً ومن ثم يتم عرضها على المجلس لنيل الثقة.
وقد أجمع متحدثون لـ"الرسالة نت" من كتل برلمانية مختلفة ومستقلين، على رفضهم إعطاء الثقة لحكومة الوفاق ما لم تلتزم بالدستور والقانون الأساسي، معتبرين أن منحها الثقة من رئيس السلطة محمود عباس قبل ثقة المجلس التشريعي "خطيئة لن يشاركوا فيها".
هرم التشريعي يرفض
وعلى رأس المعارضين لحكومة الوفاق الوطني وفق الديكور الذي خططه الرئيس عباس، رئيس المجلس التشريعي الدكتور عزيز دويك الذي قال "إن هناك سقطة في النظام السياسي والبرلماني إذا ما تم تجاوز أعضاء المجلس في تشكيل الحكومة وحيازتها على ثقة التشريعي".
ورغم كل ما عبر عنه دويك من حب وتقدير وايجابية في التعاطي مع اتفاق المصالحة، إلا أنه رفض التعدي على دور المجلس التشريعي والتحدث باسمه، مؤكداً أن خطوة منح الرئيس الحق في المصادقة على الحكومة قبل التشريعي "مخالفة لنصوص مواد الدستور التي تصرح بأن "المجلس هو سيد نفسه".
وأضاف أن قرارات التشريعي لا تخضع لإملاءات من أحد، ولا يجوز العبث بأي صورة من الصور بإرادة النواب أو الحديث عنهم دون أن يصرحوا بأنفسهم".
اختراق وخطيئة كبرى
في السياق اعتبر يحيى موسى النائب عن كتلة التغيير والإصلاح، أن "اختراقاً وخطيئة كبرى "غير مقبولة" حدثت من خلال اتفاق حركتي حماس وفتح بأن يصدر مرسوماً رئاسياً بتشكيل الحكومة يكون بمقتضاه قسم الحكومة اليمين الدستورية أمام الرئيس ثم بعد شهر من ممارسة الحكومة لعملها تُعرض على المجلس لنيل الثقة.
واعتبر موسى أن إصدار مرسوم بهذا الخصوص معناه أن تأخذ الحكومة شرعيتها من الرئيس وهذا غير صحيح لأن الحكومة تأخذ شرعيتها من التشريعي، مشدداً على أن هذا "خطأ قاتل بكل معنى الكلمة".
وأضاف "القانون الأساسي واضح، والحكومة لا تبدأ عملها إلا بعد عرضها على التشريعي لنيل الثقة ، ثم تذهب بعد ذلك لتقسم أمام الرئيس".
وأوضح أن تجاوز القانون بهذه الطريقة السخيفة له معان كثيرة خاطئة وهي "شرعنة فترة الرئيس السابقة وشرعنة حكومته-حكومة فياض- وما كان يحصل من تجاوزات للدستور من خلال مراسيمه التي كان يصدرها، كما أنه يجعل تركيز السلطات عند الرئيس ويلغي جميع المؤسسات لصالح استفراد الرئيس باعتباره كل شيء، إضافة إلى أنه يعني إلغاء المجلس التشريعي وإضعافه وتغييبه عن أداء دوره المطلوب في المرحلة القادمة".
ورفض موسى المبرر الذي يطرحه الرئيس عباس لهذا التجاوز الخطير للدستور-حيث يبرر عباس- بأنه يريد فرصة شهر لعرض الحكومة وتسويقها خارجياً من أجل قبولها، مؤكداً أن هذا لم يعد الآن مُبرراً صحيحاً وذا قيمة لأن خاصة ان هناك مواقف معلنة من قبل الكثير من الدول الأوروبية، ولاسيما موقف أوباما الأخير من أن المصالحة عقبة في طريق السلام وكذلك حديث نتنياهو بشكل واضح عن رفضه للمصالحة بين فتح وحماس".
وأكد النائب موسى أنه لن يمنح الحكومة الثقة ولن يقبل مثل هذا التجاوز لدور التشريعي والدستور بأي حال من الأحوال، مشترطاً أن تعرض الحكومة نفسها على المجلس التشريعي لنيل الثقة ومن ثم تذهب للرئيس للمصادقة عليها، لافتاً أن موقفه هذا هو موقف الكثير من النواب داخل الكتل البرلمانية المختلفة.
فتح موافقة على مضد
كتلة فتح البرلمانية ستمنح الثقة لحكومة الوفاق الوطني على مضد، وقال النائب رضوان الأخرس: "أنا لا أحاسب الخطوة ولكنني أحاسب الذين اتفقوا"، معتبراً أن تشكيل الحكومة كان باتفاق سياسي وأن الاتفاق السياسي يحدد ويتحكم في طبيعة الاتفاق على كل الخطوات بما في ذلك تحديد المشروع والأشخاص.
وأضاف "أنا أضع بند تشكيل الحكومة ضمن المشروع الكلي للمصالحة، حيث تصغُر كل الأمور أمام انجاز المصالحة بما في ذلك القانون والدستور".
وتابع: " طالما اتفقت الأطراف وتوافقت على تشكيل الحكومة بهذه الطريقة، فما من شك أنها تعي جيداً الدستور ونصوصه وبنوده، وإلا لماذا يتفقون على خطوة غير دستورية..!؟".
وزاد الأخرس في تساؤله "هل مادة دستورية أو بند اتفاقي أهم من مشروع المصالحة.. وإذا راح الوطن فما فائدة الدستور..؟ "، على حد تعبيره.
ورغم أن النائب الفتحاوي أشرف جمعة عبر عن استيائه من الخطوة لكنه اعتبر أنه "طالما جرى توافق بين قيادتين كُلفتا من حركتي حماس وفتح، فلا مجال للحديث فيه، لأن الجميع بات ينتظر حكومة التوافق بفارغ الصبر".
وأشار إلى أن حكومة التوافق المرتقبة تعمل كأنها حكومة تسيير أعمال لمدة عام لحين إجراء الانتخابات لأنها ستكون "حكومة الرئيس" وليس لها برنامج سياسي غير "برنامج الرئيس"..!، موضحاً أن لها أدواراً محددة مثل إعادة الإعمار وتهيئة الأجواء للانتخابات ومحاولة حل المشاكل المتعلقة بالموظفين المدنيين والحكوميين وكذلك الجمعيات والمؤسسات الأهلية.
واستدرك جمعة قائلاً "لكن بعد أن تُقسم الحكومة اليمين أمام الرئيس يمكن أن يكون للتشريعي دوراً في محاسبة وزرائها حسب ما ينص القانون ووفق ما هو معمول مع أي حكومة سابقة".
وأضاف" يجب علينا جميعاً أن نكون داعمين لتشكيل الحكومة بسرعة والوصول إلى توافق في هيكليتها من رئاسة ووزراء ومن ثم القيام بعملها، حيث سيكون للمجلس التشريعي كلمته وسيكون هناك تعاون بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية "، على حد زعمه.
لا تعارض بين القانون والتوافق
غير أن النائب عن الجبهة الشعبية جميل المجدلاوي، اعتبر أن نصوص القانون واضحة وتشترط أن ينال رئيس الحكومة ووزراؤها ثقة المجلس التشريعي قبل مباشرتهم لأعمالهم، معبراً عن حرصه في أن يلتزم الجميع بالقانون الأساسي.
وحسب تقدير المجدلاوي "فإنه لا تعارض بين الالتزام بنصوص القانون الأساسي وبين ضرورة التوافق الوطني والسير قدماً في تشكيل الحكومة وفق الأصول ووفق نص القانون"، مؤكداً أن أي خروج عن القانون ونواظمه يشكل سابقة خطيرة تجعل القانون عرضة للتجاوز.
وأشار إلى وجود تواصل وتشاور مستمر بين أعضاء المجلس من الكتل البرلمانية المختلفة يستهدف الالتزام بالقانون والتقيد بنصوصه، رغم أن ما يرشح هو مجرد افتراض لم يتحول إلى ممارسة، مستدركاً بالقول "لكن في إطار ما يجري تناقله هذه الأيام من حوارات ثنائية بين فتح وحماس هي موضع نقد عند غالبية القوى السياسية".
ومن بين الموضوعات التي كانت موضع نقد -حسب المجدلاوي- ما تسرب من أخبار عن توافق بين حركتي حماس وفتح يتجاوز نصوص القانون وضرورة نيل الحكومة ثقة المجلس قبل ممارسة مهامها، موضحاً أن عدم إعطاء الثقة للحكومة المقبلة "موضوع افتراضي مؤجل(..).
وأضاف: عندما نصل إلى هذا الاستحقاق سيكون موقفنا واضحاً كل الوضوح بشأنه محكوماً بالالتزام بالقانون"، على حد قوله.
الوضع استثنائي
أما النائب اليساري قيس عبد الكريم فقال "موقف فصائل المنظمة الثمانية بأنهم ليسوا مسئولين عن أية اتفاقات ثنائية تعقد بين فتح وحماس في إطار عملية تطبيق الاتفاق الذي وقِعَ في القاهرة مطلع مايو".
ولكنه اعتبر في الوقت ذاته أن الوضع الفلسطيني وضع استثنائي وغير طبيعي وأن هناك من يمارس عمله دون أخذ الثقة من المجلس التشريعي، مؤكداً أن المشكلة ليست قانونية ولكنها مشكلة سياسية.
وقال "نستطيع أن نغض النظر عن مخالفات القانون إذا كان ذلك قائماً على قاعدة الوفاق الوطني والمشاركة من الجميع، أما انفراد حماس وفتح -المسئولتين عن الانقسام - فهو لا يغني عن التوافق الوطني الشامل ولا يغني عن ضرورة الالتزام بالقانون".
المصالحة ليست ممر اجباري
من ناحيته أكد النائب المستقل الدكتور حسن خريشة أن أي حكومة ستأتي دون أن تُعرض على المجلس التشريعي لن نسوقها وسنكون صوتاً عالياً لنقول أنها غير شرعية، مبرراً موقفه بالقول: "لن نكيل بمكيالين، كأن نقول على حكومة فياض غير شرعية ثم نُشرِع حكومة يمنحها الرئيس مرسوماً قبل نيل ثقة التشريعي".
وأضاف "إن المصالحة الفلسطينية لن تكون ممر إجبارياً لأي حكومة لا تحظى بثقة التشريعي"، مؤكداً على أن تفعيل المجلس بحد ذاته هو خطوة توازي -بشكل أو بآخر- خطوة توقيع المصالحة .
كما اعتبر خريشة أن دعاوي تسويق الحكومة خارجياً " ليس صحيحاً" لأن التسويق للحكومة يبدأ داخلياً عبر التزامها بالقانون الأساسي، مشدداً على أن "شرعية الحكومة مستمدة أخلاقياً وقانونياً من المجلس التشريعي وليس من الرئيس، وهذا شرط إجباري وممر إلزامي"، حسب خريشة.