قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: أما آن للرياضة أن تصلح ما أفسدته السياسة

بقلم إبراهيم لبـد

 

الرياضة تجمع و لا تفرق , مقولة اعتدنا على سماعها طويلا في جميع المحافل العربية و العالمية , و إذا ما استثنينا قليلاً كلمة ( العربية ) و بنظرة خاطفة على الحدث الأوروبي الأبرز مؤخراً و الذي لا يبتعد كثيراً عن موضوعنا الأساس و هو مباراة فرنسا و ايرلندا و التي تأهلت من خلالها فرنسا إلى نهائيات كأس العالم بجنوب أفريقيا بعد خطأ تحكيمي فادح لحكم اللقاء السويدي مارتين هانسون و الذي لم يلحظ لمسة اليد التي نقلتها عدسات كاميرات العالم كافة على اللاعب تيري هنري مهاجم برشلونة الأسباني , ثار الايرلنديون على حكم المباراة , و قدمت ايرلندا طعونها للاتحاد الدولي لكرة القدم , واعترف هنري بلمسة اليد و قال في جرأة واضحة أنه من العدل أن تعاد المباراة مرة أخرى .

 

انتهت حكايتهم , لكن حكايتنا لم تنته بعد !

 

نعود لموضوعنا الأساس و سنعيد كلمة ( العربية ) مرة أخرى هذه المرة و نطرح تساؤلاً رياضياً بريئاً , و هو هل جمعت الرياضة ما أفسدته شوائب كثيرة عند العرب ؟ هي مباراة اعتيادية تلك التي جمعت المنتخب المصري بنظيره الجزائري مؤخراً ! زمنها 90 دقيقة و أهميتها لن تزيد على أهمية مباراة البحرين و نيوزلندا الأخيرة أو تونس وموزمبيق فجميع هذه اللقاءات عناوينها واحدة تحديد الفريق المتأهل إلى كيب تاون . فلماذا اتجهت الأنظار إلى المباراة الأولى ؟

 

المتابع لتطور الأحداث يرى حرباً إعلامية طاحنة تدور رحاها منذ أشهر و لا زالت تبعاتها حتى ساعتنا هذه على شاشات الفضائيات العربية و صفحات الجرائد حول مباراة مصر و الجزائر المؤهلة للمحفل العالمي ,

 

الحرب الإعلامية بدأتها الفضائيات المصرية عندما اتهمت الجزائر بتسميم البعثة المصرية قبل لقاء البلدين في الجزائر ما أثر على أداء اللاعبين و جهازهم الفني لتنتهي المباراة بهزيمة الفراعنة في بلد المليون و نصف شهيد بنتيجة هدف لثلاثة , رد الجزائريون بعدها بأن تسمم الوفد المصري كان نتيجة الزيادة الهائلة في تناول الطعام , لكن المصريون عادوا و على لسان الإعلامي البارز شوبير بنفي حالة التسمم و أن السبب في التسمم كان لطعام فاسد تناوله الجميع في الطائرة الموصلة للجزائر , لتسود حالة من الهدوء الإعلامي الطويلة التي انتابتها تجاذبات خفيفة بين الطرفين حتى جاء مساء الأحد الحادي عشر من أكتوبر 2009 و تحديداً بعد فوز مصر على زامبيا في عقر دارها بهدف نظيف و فازت الجزائر على رواندا بثلاثة أهداف لهدف , و كانت حينها الأسبقية واضحة للخضر بثلاثة نقاط كاملة مع فارق هدفين عن الفريق المصري , لتبدأ الآلات الإعلامية في الحشد من جديد و من كلا الطرفين فحاول الطرف المصري حشد جماهيره وراء منتخبه القومي , في حين كان الجزائريون يعلنون التحدي و أنهم سيفوزون على مصر في عقر دارها .

 

 ما زاد الطين بلة فهو تصريح رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم سمير زاهر و الذي طالب الجمهور المصري باتباع شتى السبل من أجل تأهل المنتخب لنهائيات كأس العالم , هذا الموقف الرسمي كان له بالغ

الأثر في نفوس الجماهير الغاضبة أصلاً , و فور وصول البعثة الجزائرية لأرض الكنانة اتهم الجزائريون أبناء مصر برشق حافلتهم بالحجارة و تكسير نوافذها و إصابة أكثر من لاعب بجروح مختلفة , و نفت وسائل الإعلام المصرية الحادثة و قالت أن لاعبي الجزائر هم من قاموا بتكسير النوافذ , و كان لهذه الواقعة بالغ الأثر على جماهير الجانبين , و استمرت الآلات الإعلامية بتأجيج الموقف من قبل الطرفين , حتى جاء مساء الرابع عشر من نوفمبر , و تابعت الجماهير الموقعة التاريخية و التي استطاعت مصر أن تكسر حاجز الهدفين , غير أن هذا لم يشفع لها بالوصول لكأس العالم و إنما بالانتقال للمباراة الفاصلة مع الشقيق الجزائري , و وضع كل طرف البلد التي يريد لاستضافة اللقاء و كان على رأس الخيارات

المصرية السودان الشقيق و كان لهم ما أرادوا .

 

الحمى الإعلامية اشتدت في الأيام الثلاثة الأخيرة التي سبقت المباراة الفاصلة بين البلدين و ماكنات الإعلام لم تهدأ في الجانبين فالجزائريون يقولون أن الفرصة مواتية لرد الصفعة ( رشق الحافلة بالحجارة ) و المصريون يؤكدون أنهم أصحاب الحظوظ الأقوى .  

 

و في السودان و في محاولة منه لجمع الأخوة الفرقاء اجتمع الرئيس السوداني برئيسي الاتحادين المصري و الجزائري لكرة القدم غير أن الأخير رفض مد يده لمصافحة رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم مبرراً ذلك بأن سيادة فريقه تعرضت للانتهاك في مصر العروبة .

 

 انتهت المباراة و فاز الجزائريون لكن الحكاية العربية لم تنته فقد تأجج الموقف بين البلدين و واصل الإعلام المصري في حملاته الإعلامية و اتهم الجماهير الجزائرية بالاعتداء على المصريين في طريق عودتهم من الخرطوم , هذه الأقاويل فندتها أجهزة الأمن الرسمية بالسودان و قالت أنها لا تتعدى حالة فردية أو اثنتين و أنه تم السيطرة على الموقف , و لا يجوز للإعلام المصري أن يمس سيادة السودان , إلا أن الإعلام المصري و

 

قيادته السياسية في مصر لم تهدأ و ظلت تقدم الأدلة على الاعتداءات الجزائرية بحقهم في السودان يقابله موقف جزائري رسمي صامت و دفاع سوداني عن سيادته و سلامة أمنه و نجاعته .

 

و يبقي باب التساؤل مفتوحاً على تساؤل كبير هل أصبحت الرياضة تفرق ما جمعته عروبة العرب و تاريخهم الذي يتغنون به , و أما آن لها أن تصلح ما أفسدته السياسة , أم أن البحث عن مجرد انجاز و لو رياضي مقدم على علاقة العرب ببعضهم ؟

البث المباشر