قائد الطوفان قائد الطوفان

مبارك في القفص

منذ الاعلان عن بدء محاكمة مبارك ونجليه في القاهرة يوم الاربعاء المقبل، والقلوب تخفق بشدة والأحلام تداعب الملايين والأماني تطوف بنا حول اللحظة التي لم تمر بمصر طوال تاريخها العريق أن يدخل "الفرعون" القفص الحديدي، ويطل علي الناس منه، لا يملك من أمره شيئا، يملأ وجهه القلق والخوف مستمعا إلي الاتهامات الموجهة ضده، التي تصل عقوبتها مجتمعة لو أدين فيها السجن قرنين من الزمان أو الاعدام في حالة ادانته بقتل المتظاهرين.

لم نقرأ في التاريخ من قبل ان شعب مصر شهد فرعونه في قفص الاتهام، نعم شهده يموت غريقا في عهد فرعون موسي ورميا بالرصاص فوق المنصة في عهد السادات؛ لكن شاء القدر أن يكون حسني مبارك صاحب اللحظة الفارقة والحدث التاريخي غير المسبوق بدخوله القفص ونقل محاكمته عبر القنوات الفضائية وربما يخصص بعضها "استديو تحليلي" علي نمط مباريات كرة القدم.

الناس تتابع الأخبار المتداولة عن اللحظة التاريخية لظهور الديكتاتور الذي غاب عنهم منذ 11 فبراير الماضي بعد ان قبع في السلطة 30 عاما محاطا بحراس يسدون عين الشمس وبترزية قوانين يفصلون له جلباب الحكم علي المقاس الذي يطلبه وبإعلام وصل به مرتبة التقديس.

هناك شكوك كبيرة في ان تلك اللحظة ستأتي، ففي آخر ساعة قد يجري اغتيال الحلم بتأجيل المحاكمة لسوء حالة الرئيس السابق واصابته بنوبات اغماء متكررة أو غيابه عن الوعي كما قرأنا خلال الاسابيع الماضية نسبة إلي محاميه فريد الديب الذي تحول إلي طبيب يذيع بين الحين والآخر تقارير صحية جعلت الجميع يترقب خبر الوفاة.

لو صدقت تلك الشكوك لن يصدق احد ان مبارك سيدخل القفص الحديدي يوما وانه سيغادر مستشفى شرم الشيخ تاركا المدينة التي عشقها رئيسا واختارها عاصمة غير رسمية لحكمه وقصدها عندما تخلي عن منصبه بدلا من الهروب إلي الخارج.

وزادت الشكوك عقب التضارب حول مكان المحاكمة ،يوم الخميس قيل رسميا انه سيكون احدي قاعات الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة بأرض المعارض وان مساحة قفص الاتهام 90 مترا مربعا محاطا باسلاك قوية واعمدة حديدية تضمن تأمينا تاما للمتهمين الذين حكموا البلاد وزجوا بمئات الآلاف إلي السجون.

انتقلت قيادات شركة المقاولون العرب بالفعل إلي المكان وعاينته لتجهيز القاعة التي تستوعب 1000 شخص بالإضافة إلي حجرة الحجز أو السجن التي سيقاد منها مبارك وباقي المتهمين إلي القفص.

كل ذلك تغير فجأة مساء الخميس بتلقي عمال الشركة أمرا بوقف العمل والانصراف إلي بيوتهم بعد ان بذلوا مجهودا كبيرا حتي يسلموا القاعة قبل غروب شمس يوم السبت.

وزير الداخلية منصور العيسوي خرج كعادته ليعطل اماني محاكمة مبارك كما عطل من قبل نقله من شرم إلي سجن مزرعة طرة أو أي مستشفى في القاهرة.

في المرات السابقة برر التعطيل بسوء حالة الرئيس السابق الصحية وعدم وجود تجهيزات طبية داخل مستشفى السجن، وهو تبرير بالغ الغرابة لأن في القاهرة مستشفيات اخري تتوفر فيها امكانيات افضل من شرم الشيخ.

وفي هذه المرة قال ان أرض المعارض غير آمنة نتيجة للزحام المروري في شارع صلاح سالم، وهو ايضا تبرير غريب لإمكانية تأمين مداخلها ومخارجها بسهولة، كما يمكن ايقاف المرور في شارع صلاح سالم طوال مدة المحاكمة، وذلك ليس بدعة، فقد كان يحدث بالساعات اثناء تنقلات مبارك وادي ذات مرة إلي ان تفقد امرأة جنينها بعد سنوات عقم طويلة، لعدم استطاعتها الوصول إلي المستشفى عندما فاجأها المخاض.

هناك أحاديث كثيرة عن مكان المحاكمة البديل؛ لكن الأخطر أن يجري التأجيل بسبب سوء الحالة الصحية؛ لأن الشكوك حينئذ ستطال حقيقة وجود الرئيس السابق في مستشفى شرم نفسه، وسيترتب عليه احباط شديد وصدمة واحساس بوأد احلام دولة العدالة والقانون.

فراج إسماعيل

البث المباشر