الرسالة نت – محمد الشيخ
اعتاد الطالب الجامعي "نشأت أبو العمرين" السهر على الإنترنت لساعات متأخرة من الليل، ما أثر على مستواه الجامعي، نتيجة لتغيبه عن حضور الدروس والمحاضرات، وطالما كان يشكو "تشتت" جدول حياته اليومي، ويبخل في أن يطلب المساعدة من صديق أو جارٍ أو حتى قريب، إلى أن جاء الفرج وحلَّ المأمول وتحقق قول الشاعر حينما كتب: "وكم من فرج بعد يأس قد أتى .. وكم من سرور قد أتى بعد الأسى".
ولعل الفرج الذي كان يرْقبه "نشأت" لحل مشكلته قد يبدو غريباً بعض الشيء ولا يخطر على بال بشر، إلا أنه كُتب له الوجود، وانتشل الطالب الجامعي من مرض لطالما أرق حياته.
"أزمة الكهرباء" هي حديثنا والناس أجمعين في قطاع غزة، ومن كانت بمثابة "دواءً ناجعاً" لنشأت وأمثاله الكثير، فقد أجبرت الطالب الجامعي –نتيجة لانقطاعها المتفاوت بغزة- على الخلود إلى الفراش مبكراً وترك السهر وجلسات السمر ليلاً إلى غير رجعة.
قد يدفع ما سلف مما كتبنا بعض القراء إلى "التأفف والضجر" بعض الشيء، لما لانقطاع الكهرباء من تأثير سلبي على حياتهم، لكن تظل الحكمة "رُب ضارة نافعة" صالحة لكل زمان ومكان، وقد كُتب لها أن تتحقق في قطاع غزة، وتبقى "جنة الرضى في التسليم لما قدَّر الله وقضى".
التكيف مع العتمة
ففي الوقت الذي يناشد فيه الغزيون بحل عاجل لأزمة الكهرباء، نجد بعض المواطنين يسعون "مضطرين" للتكيف مع "العتمة" والاستفادة من أوقاتهم وتنظيمها بشتى السبل تناسباً مع جدول القطع.
وعلى الرغم من كل جوانب الظلمة الخانقة للانقطاع الدائم، يبحث الغزيون عما يضيء قلوبهم أو عقولهم من وراء العتمة؛ لكن يبقى السؤال المحيّر، هل هناك فائدة من وراء ذلك؟.
الطالب نشأت يقول لـ "الرسالة نت" بعدما عثر على ضالته: "لم أفعلها منذ زمن وأخلد إلى النوم مضطراً الساعة الـ11مساءً وأستيقظ في الـ7 صباحاً، بعدما اعتدت السهر يومياً حتى ساعات الفجر، وكنت أعجز حينها عن الاستيقاظ مبكراً للذهاب إلى الجامعة".
وأضاف: "بالنسبة لي ربما هي الحسنة الوحيدة التي تُغفر لشركة الكهرباء؛ لأنها عودتي على الالتزام بالدوام الجامعي"، مستدركاً: "هذا لا يمنع تأثيرها السلبي جداً على إنجاز وظائفي والتزاماتي التي تعتمد على الانترنت".
أما الطالب "عبد الرحمن الخالدي" فإنه يرى العديد من السلبيات والآثار النفسية المترتبة على انقطاع التيار الكهربائي؛ لكنه وجد ضالته في إيجابية واحدة تعود بالنفع عليه.
وقال الخالدي لـ"الرسالة نت": "ما اعتبره إيجابياً على صعيدي الشخصي عند انقطاع الكهرباء، هو جلوسي على ضوء الشمعة أو فوانيس الإضاءة وأرتب أفكاري وأعمالي وأنجزها على أتم وجه"، موضحاً أنه يجد صعوبة في الجلوس والتفكير عند توفّر الكهرباء نظراً لتعدد "الملهيات" -كما أحب أن يصف- كالإنترنت أو التلفاز وجلوسه عليهما لساعات طويلة دون الإحساس بالوقت.
راحة بال
أما أولياء الأمور فينظرون للأزمة نظرة إيجابية من زاوية تختلف تماماً عما ذكرناه سابقاً وقد تكون تربوية سلوكية أكثر من كونها ملموسة .
فنظرتهم تتمثل في أن الانقطاع ليلاً وبالتحديد من الساعة الـ10 أو12 بمنتصف الليل وحتى ساعات الصباح بمثابة "راحة بال".
وتقول "أم معتصم" لـ"الرسالة نت": "أنام ليلاً وأنا مطمئنة على أبنائي لأنهم لن يسهروا على التلفاز أو الانترنت دون مراقبتي".
وأضافت: "انقطاع الكهرباء دفع أبنائي للنوم والاستيقاظ مبكراً وأضحوا أكثر نشاطاً، وأفضل ما في انقطاعها أنها تلم شمل العائلة وتجمع أولادي حولي".
وأوضحت أنه رغم ما ذكرته من "حسنات" للقطع فإن استمرار الأزمة مرفوض بأي شكل كان؛ لأنه يؤثر على حياتهم كثيراً، فمعظم الاستخدامات المنزلية قائمة على الكهرباء، وبدونها لا تنجز معظم أعمال البيت، قائلة: "مهما يكن من إيجابيات فالسلبيات أعم وأشمل".
ورغم ما ذكره المواطنون من فوائد قلة -تعد على أصابع اليد- لانقطاع الكهرباء، يأمل جميعهم بحل جذري، وعدم العودة مرة أخرى للوضع المزعج مهما كانت الأسباب.