مؤمن بسيسو
هل نفضت مصر الثورة يدها من قطاع غزة وتركته نهشا لأنياب الألم والمعاناة التي أحالت القطاع إلى وضع بائس لا يطاق وتنهار فيه المقومات والخدمات الإنسانية بصورة متسارعة دون إحساس أو مسؤولية قومية؟!
الإجابة قطعية النفي بالتأكيد؛ فمصر الثورة تعتبر غزة جزءا لا يتجزأ منها إلا أن بقايا النظام السابق التي ما تزال تتحكم بمفاصل الحياة السياسية في مصر تضع غزة في صميم دائرة المساومات السياسية.
مصر تتغير نحو الأفضل، فقد تشكل برلمان جديد يعبر عن روح الثورة المصرية ونبض الشعب المصري لكن الحكومة التي تأتمر بأوامر المجلس العسكري الذي يعمل بروح النظام السابق ومحدداته السياسية ما تزال تعمل انتقاليا ريثما يتشكل النظام السياسي المصري الجديد عقب انتخابات الرئاسة المقررة نهاية مايو/أيار المقبل.
يدرك الجميع أن أحدا لا يستطيع أن يناقش في حتمية التفات الشعوب العربية إلى معالجة أولوياتها الداخلية لكن الانغماس في معالجة الشأن الداخلي شيء ونفض اليد وإدارة الظهر لقضايا الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية شيء آخر تماما.
لم نكن في وارد توقّع سياسة مغايرة من الحكومة المصرية الحالية والمجلس العسكري الحاكم، فالملف الفلسطيني ما زال خاضعا لذات المعايير والمفاهيم القديمة التي سادت زمن النظام السابق، وما زال ملف قطاع غزة حصريا بيد جهاز المخابرات المصرية، وما زال مدخل العلاقة مع غزة وأهلها أمنيا بحتا بعيدا عن الإطار السياسي الذي يفترض أن يتبلور عقب الثورة وزوال النظام الذي تآمر على غزة طوال المراحل الماضية.
لا نبني توقعاتنا وآمالنا على فلول النظام المتبدد بل على أبناء الثورة البررة، فالبرلمان المصري الجديد الذي بدأ بدايات واعدة ومبشرة ينبغي أن لا تشغله ثقل الأعباء والتحديات التي ينوء بها الوضع المصري الداخلي عن الاضطلاع بمسؤولياته القومية اتجاه غزة واحتياجاتها الإنسانية.
إننا باسم شعبنا الفلسطيني المكلوم في قطاع غزة الذي يتعرض للموت البطيء وتنتهك أبشع حقوقه الإنسانية وتنهش به الحسابات السياسية لبعض الأطراف ويتم زجه في أتون المساومات القذرة التي تتلذذ بمعاناته وصرخات ضحاياه نوجه نداء عاجلا إلى مجلس الشعب المصري للقيام بواجبه الشرعي والقومي والأخلاقي والإنساني اتجاه غزة الصامدة وأهلها المكلومين.
إن البرلمان المصري الجديد "برلمان الثورة" مطالب بموقف فوري لا يحتمل التأخير من سياسة حكومته التي تصر على التساوق مع مخططات ذبح غزة تحت حجج واهية، وتتمنطق بمعاذير غير منطقية لتبرير تواطئها المفضوح مع أجندة الحصار التي تخنق غزة الصامدة وأهلها المرابطين صباح مساء.
هل يعقل أن تمارس الحكومة المصرية التضليل المكشوف وعلى رؤوس الأشهاد بخصوص تعرفة الوقود اللازم لتشغيل محطة الكهرباء ثم لا تجد من يتصدى لسياستها ويقوّم اعوجاجها ويجبرها على الرضوخ لإرادة الثورة والشعب المصري الذي يرى في غزة توأم الروح ويعتبرها جزءا من جسده وعمقه القومي والإستراتيجي؟!
يقينا لن تجد مصريا واحدا غيورا يقبل بموقف حكومته الحالية التي تتحدث بلسان الحصار وبنكهة المساومات السياسية، فلا أقل أن يكون التعامل مع غزة على أنها إحدى المحافظات المصرية بدلا من الطرح الرسمي المتعالي الذي يصر على بيعها الوقود بالسعر الدولي المرتفع.
كلنا أمل أن يتحرك البرلمان المصري الجديد سريعا في مواجهة سياسة إظلام غزة التي تشكل حلقة ضمن حلقات الحصار المفروض على القطاع، وأن يمارس سلطاته وصلاحياته الكاملة لنصرة غزة وإنقاذ أهلها المنكوبين، وعزل التعامل معها عن الأجندات غير الإنسانية ودوائر الابتزاز السياسي الرخيص.
غزة الكرامة والصمود والعطاء والتضحيات أمانة في رقبة برلمان الثورة المصرية، وتستحق منه موقفا أصيلا يخفف جزءا من آلامها ويزيل شيئا من معاناتها، ونحن على ثقة تامة أن برلمان الثورة ورجالاتها البررة سيكونون عند حسن ظن إخوانهم الفلسطينيين، ونِعْم العون والسند في محنتهم الراهنة.
وحتى ذلك الحين صبر جميل والله المستعان.