قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: مبارك يقتل غزة

بقلم: هيثم غراب

قد يسأل سائل هل غاب الكاتب عن الوعي ليتحدث عن فعل كبير بحجم حصار وقتل قطاع غزة يمارسه مخلوع من سلطانه وهيلمانه قبل عام ويزيد في ثورة شعبية أصبحت مثالاً يحتذي وتاريخاً يدرس في أعرق مدارس السياسة.

فالمخلوع اليوم يحاكمه شعبه ، ولا يخرج من جلسة للمحاكمة إلا ويدخل في جلسة أخرى بتهم مركبة ومتعددة أهمها إفساد الحياة السياسية واختلاس قوت الشعب المصري الطيب الصابر ، ولم ينجح في ذلك إبان عصر زهوه وقوته .

كل هذا أعلمه لكنني وجدت أن ما سبق كان مقدمة قصيرة ضرورية لما سيأتي لاحقاً ، فقطاع غزة الذي يتعرض اليوم لمؤامرة جديدة تستهدف تركيعه وثنيه عن مبادئه ، ضمن سلسلة عقابية بدأت عقب انتخابات شهد العالم بنزاهتها عام 2006، وفازت فيها حماس بأغلبية كبيرة أهلتها لقيادة الشعب الفلسطيني.

لكن المؤامرة التي نسج خيوطها المجتمع الدولي في حينه ، ونفذها العرب من حولنا وأصحاب الكروش المنتفخة بالمال المسيس من بني جلدتنا شرذمت الواقع الفلسطيني وأوصلتنا إلى ما نحن عليه الآن من حالة سياسية نتفق جميعاً على ضرورة إنهائها وهذا ما أكدت عليه حماس مراراً وتكراراً .

لن أطيل الحديث مجتراً الماضي ، فقد أصبح جزءاً من الذاكرة وسيكتب التاريخ كثيراً عن هذه الحقبة من الزمن ،ولن ينسى المؤرخون أن يسطروا بمداد الذهب أسطورة الشعب الفلسطيني الذي كسر المؤامرة على مراحل متعددة منذ 2006 وحتى الآن.

ليس هذا فحسب بل سطر رغم الألم والمعاناة والحصار لوحة بديعة وغير مسبوقة من الانتصارات في حرب الفرقان وصفقة وفاء الأحرار التاريخية التي أذلت فيها المقاومة المحتضنة من شعبها المعطاء كبرياء الجيش الصهيوني المجرم وكيانه المسخ .

إن شعب غزة يحيا من جديد في ظل أزمة خانقة دلّس على الشعب الفلسطيني خلالها ، وبدأ كثيرون يتأثرون بدعاية يطلقها مرجفون مارسوا ذات العملية خلال فترات الحصار المتعاقبة ، فبدأوا يخلطون على شعب غزة المجروح المعلومات ويلبسوا الحق بالباطل عبر بعض سائقي السيارات وأصحاب المحال التجارية ، والدواوين التي تفرّغ أصحابها للقيل والقال وكثرة الفتنة والبلبلة بعد أن تركوا أعمالهم وأصبحوا يتقاضون رواتبهم وهم يجلسون في بيوتهم دون وجه حق شرعي أو وطني .

ولعل غياب المعلومة الصادقة أو ضعف وصولها إلى المواطن الغزي لأسباب كثيرة هو ما أنجح عمل هؤلاء في خلق رأي عام لعله الأقوى على مدار السنوات الماضية ضد الحكومة في غزة وحركة حماس من خلال تحميلها المسئولية عن الأزمة الخانقة التي يعيشها القطاع جراء انقطاع التيار الكهربائي وشح الوقود المستخدم لتشغيل المولدات وتسيير السيارات .

ولهذا كان لابد من جلاء بعض الحقائق التي دلّست على الناس وأصبحت مختفية خلف كومة من الكذب الصراح :

أولاً : الأزمة الحالية التي يتعرض لها قطاع غزة هي حلقة من حلقات تجديد الحصار المفروض على قطاع غزة يخطط لها الغرب وأمريكا وينفذها محمود عباس وزمرة رام الله بالتنسيق المباشر مع بقايا نظام مبارك الذين لا زالوا يتحكمون بالقرار المصري ويحاربون غزة بأياد ناعمة وبحلاوة الكلام من طرف اللسان .

وإلا فلماذا ظهرت الأزمة الآن ؟! فالثورة المصرية مر عليها أكثر من عام ، وكانت الأمور تسير على ما يرام دون أية مشاكل أو إعاقات ، وكانت المحروقات المصرية تمر إلى غزة بشكل طبيعي ، ولماذا يتزامن هذا الأمر مع بوادر أزمة في الغاز المنزلي الذي يعبر لغزة من طرف العدو الصهيوني ؟!!

ثانياً : بقايا نظام مبارك ممن يتحكمون في القرار المصري لا زالوا يمارسون دوراً كبيراً في تشديد الحصار على غزة من خلال تعقيد الأمور على الجانب الفلسطيني ، فبعد زيارة هنية تكشفت حقائق كثيرة عن الدور المصري غير النظيف المساهم في أزمة القطاع .

فالمصريون أبوا إلا أن يتم إدخال الوقود عبر معبر كرم أبو سالم في مرة ، وأخرى طالبوا سلطة الطاقة بالعبور إلى الأراضي المصرية لإدخال الوقود من نقطة تبعد عن معبر رفح مسافة تزيد على (550) كيلومتر .

مع العلم أن الحكومة وافقت على شراء ما تستطيع دفع ثمنه شهرياً بسعر يفوق ما كانت تدفعه أوروبا للكيان الصهيوني لتزويد المحطة بما تحتاج بنسبة لا تقل عن 150% .

إضافة إلى ذلك ، فبعد موافقة المصريين على رفع القدرة للخط المصري (5) ميجا إضافية تفاجأ المسئولون في سلطة الطاقة برفع سعر الميجا إلى ما يقرب ثلاثة أضعاف السعر الذي كان يدفع قبل ذلك لكن الحكومة في غزة وافقت على ذلك تخفيفاً على المواطن وحلاً للأزمة .

ثالثاُ : هناك دول عديدة عرضت على الحكومة الفلسطينية في غزة ومنها إيران والجزائر تزويد غزة بما تحتاجه من وقود مجاناً ، لكن الأمر مرهون بقرار سياسي مصري يرفض الأمر من حيث المبدأ ، مما يؤكد أنه لا زال يتحكم في مصر ذات السياسة التي وضعها المخلوع مبارك .

رابعاً : لا زالت الحكومة وحركة حماس تحاول بكل السبل توفير المحروقات لقطاع غزة سواء لتشغيل محطة توليد الكهرباء ، نجحت في إدخال كميات محدودة تم تشغيل توربين من المحطة لمدة يومين أو ثلاثة وفشلت في إدخال كميات أخرى نتيجة مصادرتها من قبل قوات موجودة خصيصاً في الجانب المصري لمنع إدخال الوقود لسيناء تمهيداً لدخوله إلى قطاع غزة.

ختاماً فإن أي متابع للحالة السياسية الفلسطينية يجد أن ما يحدث على الساحة الفلسطينية هو جزء من المؤامرة القديمة الهادفة لإخراج حماس من معترك السياسة الفلسطينية عبر ذات االبوابة الذي دخلت منها وهي بوابة الانتخابات وصندوق الاقتراع التي من المتوقع أن تكون بعد 90 يوماً من إعلان عباس للحكومة .

ما يعني أن حماس اليوم تتعرض لحملة من الإنهاك والإلهاء والضرب في الظهر بقوة من أجل أن تصل صندوق الاقتراع وهي مليئة بالجراحات ، فلا تستطيع إقناع المواطن الفلسطيني بإعادة انتخابها وهذا ما يخطط له على أرجح السيناريوهات .

لكني ومن واقع قراءتي المتواضعة لطبيعة الشعب الفلسطيني أرى أن الشعب الفلسطيني شعب أصيل وصاحب مبدأ واضح وصريح ، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يغير قناعاته جراء عقاب هنا أو هناك ، وإن كان من بلبلة جراء نقص المعلومة فإنها تزول بحول الله بعد جلاء الحقيقة ووضوحها ، وإنني على ثقة ويقين أن شعب فلسطين وأهل غزة على وجه التحديد لن يمنح الثقة لأحد سوى حركة حماس في أي انتخابات قادمة .

فالشعب الفلسطيني حسم خياراته وانحاز إلى برنامج المقاومة الشامل المتكامل الذي يحفظ الحقوق ويدافع عن شرف وكرامة الأمة واقفاً على قدميه يتحدى المؤامرة كصخور جبال فلسطين الشامخة التي كانت شهدت على مر التاريخ على بطولات الفاتحين والمقاومين والشهداء

" إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا" (سورة الطارق)

" إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً" (سورة الشرح)

البث المباشر