بقلم: محمد السوافيري
كاتب وصحفي من غزة
شكلت انتخابات نقابة الصحفيين الفلسطينيين في غزة، علامة فارقة في تاريخ الصحافة الفلسطينية، وربما إن ذهبنا إلى أبعد من ذلك فإنها تشكل مفترق طرق في تاريخ القضية والوطن الفلسطيني بشكل عام في أحد جوانبه، لذا كان هنا من الضروري تسليط الضوء على قضايا مختلفة حملت هذا المضمون في الانتخابات التي عُقدت بغزة في 18 مارس الجاري، بمشاركة ما يزيد عن 370 صحفي وصحافية غُيبوا عن نقابتهم لسنواتٍ بلا ذنب.
أولاً: فوز صاحب "الصوت العالي" بأعلى الأصوات
"وسام عفيفة" .. هو الصحفي والإعلامي صاحب نصيب الأسد في أصوات انتخابات نقابة الصحفيين، حيث يكاد يكون كل المشاركين قد منحوه أصواتهم.
من لم يعرف "وسام عفيفة" .. هو رئيس تحرير صحيفة الرسالة النصف أسبوعية الصادرة في غزة المقربة من حركة حماس، وهو صاحب المقال الجريء "بالصوت العالي" الذي كان من خلاله يسلط الضوء على قضايا تهم الوطن والمواطن الفلسطيني وتلامس معاناته، وفي كثير من الأحيان كان ينتقد ويغمز إلى بعض الثغرات والخلل في عمل المؤسسات الحكومية أو الأهلية بغزة.
وبالتالي فإن إجماع الصحفيين بأصواتهم على انتخاب عفيفة بهذه النسبة والقوة، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك اتجاه صحفي خصوصاً لدى فئة الشباب لأن يتولى أمر نقابتهم أصحاب "النهج التقويمي والتصويبي" وهذا يُعد أمر لابد أن يُلاقي اهتماماً من إدارة النقابة الحالية.
ثانياً: استبعاد الإعلاميين العاملين بالمؤسسات الأمنية
أن أكثر ما أعجبني في انتخابات نقابة الصحفيين بغزة، ولا أعرف إن كان دستور النقابة ينص على صحته أم لا، أنها استبعدت الإعلاميين والصحفيين العاملين بالمؤسسات الأمنية التابعة للحكومة بغزة عن الانتساب للنقابة.
وهذا يُحسب للنقابة وللجنة العضويات، مما يُدلل على أنها حاولت بكل الإمكانيات أن تخرج بهذه الانتخابات بأبهى حُلة وتؤكد للعلن مصداقية ما ذهبت إليه بأن الصحفيون هم فقط أصحاب الحق في الانتساب للنقابة وليس غيرهم.
ثالثاً: حماس والجهاد "قائمة موحدة" في النقابة
ربما تكون هذه الإضاءة هي الأكثر قوة في الإضاءات المطروحة، وربما الأبرز التي تذهب باهتمامها إلى ما هو أبعد من نقابة صحفيين، ألا وهي مشاركة حركتا حماس والجهاد الإسلامي في قائمة موحدة بانتخابات النقابة.
أعتقد أن هذه الخطوة لم تكن عابرة ولم تأتي بمحض الصدفة، هي خطوة لها ما بعدها من مدلولات هامة على صعيد الوطن والشعب الفلسطيني، وأرى أنها تضع عقول فلاسفة على المحك ليضعوا إجابات لأسئلة تقف حائرة أمام أذهاننا:
-ما الذي دفع حركة الجهاد الإسلامي لمشاركة حماس في قائمة موحدة بالانتخابات ؟
-هل حركة الجهاد الإسلامي بهذه الخطوة كانت تريد تعميق الانقسام؟ وهي ربما تكون الحركة الأكثر حرصاً على تحقيق الوحدة بالرغم من ملاحقة كوادرها وقياداتها وتجميد نشاطاتها بالضفة المحتلة.
خلاصة: أرى أن خطوة إجراء انتخابات مستقلة في غزة جاءت كخطوة اضطرارية من قبل حركتا حماس والجهاد الإسلامي لحسم ما أسموه "ضياع نقابة الصحفيين" في أدراج الأجهزة الأمنية وأحضان الساسة، واضطروا لإجراء انتخابات مستقلة يستطيعوا من خلالها استعادة حقوق الصحفي الفلسطيني وهيبته المسلوبة.
ملاحظة // لم أكن في يوم من الأيام من دعاة الانقسام والتشظي في المجتمع الفلسطيني، ولكن هذه دعوة لنا جميعاً كمثقفين وسياسيين وقادة رأي عام، بأن نتفكر بجدية وعمق لنبحث سوياً في أسباب الانقسام قبل أن نبحث الطرق والخطوات الأنجع لعلاجه، وحينها إن نجحنا فإني أبشركم بمصالحة حقيقة وقريبة بإذن الله.