ياسر الزعاترة
ليس لعمر سليمان في ذاكرة المصريين غيرُ كونه أحد أعمدة نظام المخلوع حسني مبارك، والرجل الذي حاولت قوى الخارج والمؤسسة العسكرية وقبلها الأمنية فرضه كحل للإبقاء على النظام في اللحظات الأخيرة للثورة، وهو الرجل الذي خرج يعلن تنحي الرئيس وتسليم السلطة للمجلس العسكري بكلمات معدودات ختمها بخطأ نحوي من العيار الثقيل، حين قال «والله الموفق والمستعان» بتشديد الفاء وفتحها، وليس بكسرها!!
الأمريكان وقبلهم (الإسرائيليون) الذين يحددون سياسات واشنطن الشرق أوسطية يفضلون عمر سليمان، وهم رحبوا بإعلانه الترشح للمنصب، تماماً كما تمنوا وراثته لمبارك قبل نجاح الثورة؛ ليس من أجل مصر وشعبها وأمنها بكل تأكيد، بل من أجل مصالحهم، لاسيما أنهم عرفوه منذ زمن بعيد وصارت له صداقته الحميمة مع رموزهم السياسيين والأمنيين، هو الذي عاصر عدداً كبيراً منهم.
لا حاجة للتذكير بالخدمات الجليلة التي قدمها عمر سليمان للكيان الصهيوني، مقابل مساهمته في ضرب الدور المصري في الإقليم، والأرجح أن تصاعد تلك الخدمات خلال الألفية الجديدة تحديداً، إنما كان يأتي في سياق من تقديم أوراق اعتماده لمنصب الرئاسة بعد أن تبدت ملامح التوريث في عقل مبارك وأسرته، وبالطبع لأنه يعرف أن ما قاله مصطفى الفقي رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان المصري صحيح تماماً، أعني اعترافه مطلع عام 2010 بأن رئيس مصر ينبغي أن يحظى «بموافقة الولايات المتحدة وعدم اعتراض (إسرائيل)».
والسؤال الذي يطرح نفسه ابتداءً هو: هل ما زال هذا القانون فاعلاً إلى الآن؟ وهل إن موافقة واشنطن على الرئيس لا تزال ضرورية؛ هي التي يوحى بها من الدوائر (الإسرائيلية) كما يعرف الجميع؟
المؤكد أن المجلس العسكري لا يمكنه تجاهل الموقف الأمريكي، هو الذي لم يغادر بعقله زمن ما قبل الثورة، بدليل أن الأخيرة لم تغير في سلوكه السياسي إلا عبر الضغط المباشر من الشارع بين محطة وأخرى، فيما لم يتغير الكثير على صعيد إدارة الدولة حتى الآن، بدليل أن النظام السابق بكل رموزه هو الذي يحكم البلاد؛ ليس في المؤسسة العسكرية والأمنية وحسب، بل المدنية أيضاً. وتلك هي الحقيقة التي اكتشفها الإخوان المسلمون بعد فوزهم في الانتخابات، إذ أن حضورهم الكبير في مجلسي الشعب والشورى لم يغير الكثير، وهو ما دفعهم إلى إعادة النظر في قرار الترشح للرئاسة، لاسيما أن النظام لا يزال رئاسياً يتحكم فيه الرئيس بمعظم خيوط اللعبة.
لا يعني ذلك تأييداً لقرار ترشيح خيرت الشاطر، فالأمر قابل للجدال، وربما كان هناك مسارٌ آخر أفضل، لكن ما يعنينا اليوم هو سؤال عمر سليمان وكيف ترشح، ومن أين جاء بالتوكيلات، وما هي فرصته بالفوز؟
من الواضح ابتداءً أن جهاز المخابرات هو الذي يقف خلف ترشيح الرجل، وهو الذي أمَّن له التوكيلات الضرورية، بينما يصعب الجزم بحقيقة موقف المجلس العسكري من ذلك الترشيح، وإن مال الكثيرون إلى دعمه، أو موافقته في أقل تقدير.
المرشح عبد المنعم أبو الفتوح وصف ترشح سليمان بأنه إهانة للشهداء، فيما زاد خيرت الشاطر قائلاً إنه إهانة لمصر وشعب مصر، وكل ذلك صحيح إلى حد كبير، لكن السؤال يبقى قائماً حول العناصر التي عوَّل عليها سليمان في ترشيح نفسه، أو التي عوَّل عليها من توافقوا معه على الترشح.
الأكيد أن الشعبية لم تكن حاضرة في السياق، مع إمكانية التعويل على ميل قطاع من المصريين إلى رئيس يحقق الأمن والاستقرار الذي بدا مفقوداً خلال عام مضى، وبالطبع في ظل مقاربة سياسية تقول إن وجوده في رأس السلطة مع برلمان إسلامي ربما يكون حلاً معقولاً بهذا القدر أو ذاك.
لكن الأمر لن يكون كذلك بحال، إذ تشكل عودة الرجل الذي يقترب من الثمانين (76 عاماً) إهانة لمصر وشعبها قد تستدعي تجديد الثورة، فضلاً عن أن أحداً لا يبدو مقتنعاً بإمكانية فوزه بشكل نزيه، لاسيما أن تمرير انتخابات مجلسي الشعب والشورى بنزاهة لا ينفي إمكانية تزوير نتائج انتخابات الرئاسة من طرف فلول النظام السابق الذين يتحكمون بخيوط اللعبة إلى الآن.
لا يمكن لأي طرف تجاهل عصبية القوة في الدولة ممثلة في المؤسستين العسكرية والأمنية. ينطبق ذلك على الدول الديمقراطية الراسخة، لكن الموقف يبقى في أبعاده العامة تعبيراً عن الإجماع على أسس الدولة ومساراتها الإستراتيجية.
في مصر اليوم لا بد من تفاهم بين القوى الرئيسة الفائزة في الانتخابات وبين الجيش الذي يصعب اعتباره واجهة للنظام السابق بالمعنى الحرفي للكلمة، حتى لو كان مخترقاً بفعل عمر النظام الطويل.
مثل هذا التفاهم لا يسيء للثورة، بل ربما أسهم في تحقيق أهدافها في الحرية والاستقرار، أما إذا أصر المجلس العسكري، فضلاً عن جهاز المخابرات على تجاهل إرادة الشعب وفرض رئيس بالتزوير وأساليب الفهلوة مستغلاً أدوات الدولة وأذرعها الطويلة، فلا مناص من النزول إلى الشارع من جديد. وفي مواجهة شخص مثل عمر سليمان تحديداً؛ فلا مجال لغير المواجهة مهما كان الثمن.
صحيفة الدستور الأردنية