إن الفوز الذي حققته جماعة الإخوان المسلمون في انتخابات مجلس الشعب المصري رغم القرار الأخير من المحكمة الدستورية بحل البرلمان وكذلك فوز د. محمد مرسي برئاسة مصر لا يعتبر فوزاً لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وحدها، ولكنه فوزا للخيار الإسلامي في العالم، خاصة هؤلاء الذين ينتهجون النهج الوسطي في العمل الإسلامي.
وقبل الحديث عن المستقبل، ينبغي أولا أن نجد تفسيرا لما يحدث تباعاً. فلا بد من الإيمان أن هناك إرادة شعبية واضحة تريد الإصلاح والتغيير عبر صناديق الانتخاب بطريقة سلمية على منهج الإسلام، بفهم الإخوان المسلمين المعتدل. وهذه الإرادة يثبت نضجها في انتخابات مصر وقبل ذلك في ميدان التحرير وتونس الاستقرار، فلا يصوت الناس لجماعة الإخوان المسلمين ولمرشحهم د. مرسي -كما يزعم البعض- لميول انتقامية أو عقابية لأحد؛ لأن البدائل السياسية كثيرة ومنها إسلاميون كان الناس يستطيعون الاختيار من بينها.
هذه الإرادة الشعبية يواجهها محاولات الإنقلاب على الثورة بسبل شتى من جانب المجلس العسكري، أما القوى الليبرالية على أقل تقدير تعيش تردداً وتذبذباً وخلافاً في التعاطي مع إفرازات مرحلة جديدة لمصر التي تولد من رحم التحرير وإرادة الشعب المصري عبر صندوق الاقتراع وإن كانت تعيش مرحلة المدافعة والمغالبة بين الثورة والثورة المضادة.
ماذا يجب أن تفعل جماعة الإخوان المسلمون؟
وعندما نسأل: ماذا يجب أن تفعل جماعة الإخوان المسلمون بعد هذا الفوز ووفق هذه المعطيات، وماذا سيكون دورها في قيادة أكبر دولة عربية؟
إن جماعة الإخوان يجب أن تكون عند حسن ظن من انتخبوها؛ لأنها من تربة مصر الكنانة وقدمت خيرة قادتها وأبناءها شهداء ومعتقلون ومنفيون على طريق الحرية، وجماعة الإخوان المسلمون بالتأكيد تعرف ما يشغل بال الجماهير المصرية وما يهمهم.
ويمكن أن ألخص ما يجب أن يكون عليه موقف جماعة الإخوان المسلمون ورؤيتها بعد الفوز بالأغلبية في مجلس الشعب بالتالي:
1. إعادة الاعتبار لمجلس الشعب كأعلى سلطة تشريعية ورقابية منتخبة في النظام السياسي المصري، والقيام بالدور المنوط بها في رئاسة مصر كأعلى سلطة تنفيذية على الوجه الأكمل.
2. عدم التعويل على مجلس الشعب والرئاسة وحدهما، بل إن العمل خارجهما يعتبر الأهم؛ لأن ذلك هو الذي سيؤدي إلى تفعيل المجلس والرئاسة ليقوم بدوره الحقيقي. لذا فالعمل يجب أن يستمر خارج مجلس الشعب في الشارع والجامعات والنقابات والقطاع الخاص والمجتمع المدني عموماً وبشكل موازي ومكمل للعمل في مجلس الشعب والرئاسة عبر أذرع الجماعة ومؤسساتها الخيرية والاقتصادية في دور تكاملي وتعاوني ومساند وليس كبديل عن الرئاسة ومجلس الشعب.
3. الرئاسة خطوة على طريق شاق – يجب أن تكمله جماعة الإخوان المسلمون- نحو الإصلاح الدستوري والسياسي والأمني والاقتصادي. ويجب أن يُستوعب ما سيحدث بهدوء وتعقُّل وتعاون، مع ضرورة اليقين أن التردد أو التلاعب في قضية الإصلاح والتغيير لا ولن تفيد، وأن البديل عن الإصلاح والتغيير والعدالة والحرية هو فوضى مدمرة تفتح أبواب التدخل الأمريكي والأوروبي _ وفي الظل الإسرائيلي السافر_ والفتن الداخلية التي تسعى جماعة الإخوان وكل القوى الخيرة سد الطرق في وجهها ولو على حساب مكاسب يتصور البعض إمكانية تحقيقها. مع العلم أن المجلس العسكري بعد الانتخابات يجب أن يتوفر لديها إرادة واضحة وجازمة نحو الإقرار بالشرعية الشعبية المستمدة من الشعب المصري، مع ضرورة إدراك الجميع بأن الشعب المصري يبحث عن ضوء في نهاية نفق طال المسير فيه.
4. العمل على فصل السلطات وخاصة السلطة التنفيذية مما سيخدم روح المحاسبة والتي يمثلها مجلس الشعب. مع ضرورة حرص جماعة الإخوان المسلمون على تشكيل حكومة من خارج مجلس الشعب (تكنوقراط) ويتفق عليها الجميع وخاصة القوى الإسلامية والوطنية كحكومة إنقاذ وطني موحدة وهذا سيخرج جماعة الإخوان المسلمين من تهمة التكويش ومأزق الاقتراب من الخطر السياسي في العلاقة المباشرة مع إدارة الدولة مع الحرص على إشراك أكبر عدد ممكن من القوى الليبرالية والحيوية في منظومة الحكم، وفي ذات الوقت عدم فقدان القدرة على التأثير على مجريات الأمور ولن تصل الأمور إلى حال الشلل السياسي بأن تكون القوة الأكبر في مجلس الشعب ومؤسسة الرئاسة دون أن تشكل الحكومة.
5. على جماعة الإخوان المسلمين أن تضع في اعتبارها عبر وجودها القوي في مجلس الشعب بعد استعادته وإن كان الرئيس إخوانياً مساءلة الرئيس المنتخب والحكومة التي ستتشكل وإن لم تمثل فيها جماعة الإخوان بشكل واضح واعتماد ذلك منهجاً دائماً وحقيقياً كسبيل للحكم الرشيد.
6. على جماعة الإخوان المسلمين ألا تطلب شيئا لنفسها، وألا تستجدي من العالم وأمريكيا وأوروبا شرعية الوجود، فقد تجاوزت الجماعة هذه المرحلة بعد أن حققت شرعيتها محلياً بصبرها وانتخابها.
7. على جماعة الإخوان المسلمون التأكيد على فصل العمل الدعوي عن العمل السياسي مع ضرورة خلق مناخ يتسم بالحرية والانضباط والتعاطي مع إفرازات ما بعد مجلس الشعب والرئاسة، وهذا يتم بترسيخ دور حزب الحرية والعدالة.
8. على جماعة الإخوان المسلمين أن تعمل مع الآخرين من كل التيارات والاتجاهات، من أجل دفع عجلة التغيير والإصلاح بسرعة أكبر؛ لأن الوضع لا يحتمل التأخير. ويجب ألا تكون الجماعة أبدا سببا في انهيار مشروع الوحدة السياسية المصرية ولو ضمن برنامج الحد الأدنى. وعلى جماعة الإخوان ألا تعيقها العراقيل التي ستوضع في طريق العمل الجبهوي الائتلافي. ولذلك فإن العمل الجبهوي الائتلافي ينبغي أن يكون عنوان المرحلة القادمة خاصة جماعة الإخوان وكافة القوى الإسلامية والليبرالية والثورية ويحتاج لكي ينجح ذلك ويصبح ناجعا إلى فقه جديد وروح وثابة وأفق واسع ومرونة عالية.
9. إن دور السلطة التشريعية والقضائية يجب أن يتنامى ويتعاظم داخل البيئة السياسية المصرية في المرحلة القادمة وهذا ما يجب أن تسعى إليه جماعة الإخوان خاصة بعد تكشف بشكل جزئي دور القضاء غير المستقل تماماً في مصر. مع ضرورة الحذر من قوى خارجية متربصة تنتظر الفرص وتبحث عن بديل للأوضاع القائمة لتحافظ على مصالحها في المنطقة .
10. يجب أن تسعى جماعة الإخوان المسلمون إلى طمأنة الجميع في الخارج وخاصة الغرب. وعلى خط موازي على الصعيد الداخلي أن تتحمل الجماعة المسئولية وألا تشعر أحد أنها بديل أو أنها بداية جديدة لمرحلة سيقف فيها الآخرون على قارعة العمل السياسي.
11. على الصعيد الاقتصادي على جماعة الإخوان المسلمين أن تعمل مع جميع أطراف العمل الاقتصادي سواء على مستوى الدول ورجال الأعمال، والمستثمرين في الداخل والخارج، والنخب المثقفة، والنصارى من خلال حوارات متواصلة حول كل القضايا الاقتصادية والمعيشية والتنموية التي تعزز صمود الشعب المصري وتنميته ورفاهيته.
12. أن يكون لجماعة الإخوان المسلمين نشاط قوي في إنهاء الفساد والفوضى بكل صورها من فلتان أمني وفوضى سلاح وفساد أخلاقي ومالي وإداري بل حتى الفساد التعليمي والتربوي الذي يهدد مستقبل أجيال مصر.
أولويات العمل داخل المؤسسات الرسمية للدولة:
أما الأدوار التي تقع على عاتق رئيس الدولة والنواب ومن يتفق معها في الرؤية العامة للإصلاح، فهي تحتاج إلى دعم كل المخلصين من أبناء مصر (مسلمين ونصارى). فمطلوب -على سبيل المثال- من العلماء والباحثين أن يقدموا للنواب مشاريع قوانين لطرحها، ودراسات حول قضايا مصرية مختلفة، ومطلوب من الجميع تقديم المعلومات التي تساهم في مجال كشف الفساد ومكافحته، وأن يجري العمل بعيداً عن الضجيج وبشكل يؤسس لنهضة مصر بشكل حقيقي وعلى قاعدة التعاون والشراكة.
ويمكنني أن ألخص أولويات عمل الرئيس في الآتي:
1. العمل على إطلاق الحريات العامة وتحرير المجتمع كله من الفساد والفوضى.
2. تفعيل عمل الأحزاب وتحرير الجامعات وتنشيط العمل الطلابي والنقابي وتنشيط المجتمع الأهلي والمدني.
3. محاربة الفساد المالي والإداري، وهذا يقتضي فتح ملفات ضخمة وكبيرة، ويحتاج معاونة كل المخلصين بتقديم المستندات اللازمة لكشف المفسدين، وتقديمهم إلى العدالة على قاعدة الضرورة للاستقرار وليس الثأر والانتقام.
4. تخفيف الأعباء عن الشعب بمحاربة الفقر، وعلاج البطالة، وتبني كافة القضايا المعيشية التي يحلم بها المواطن العادي.
أولويات العمل في الشارع المصري:
أما أولويات العمل خارج المجلس فستكون في مقدمتها الأجندة المجتمعية، بحيث يتم استنفار طاقة المجتمع لصالح مشروع النهضة الواسع، وتحفيز الجهود الذاتية لتنمية محلية مستقلة، وابتكار وسائل جديدة للتواصل مع الشعب، والسعي إلى تأطير كل المحبين الراغبين في العمل مع جماعة الإخوان المسلمين.
نعم إن هناك فرصاً كبيرة ستنتجها نتائج الانتخابات أمام جماعة الإخوان، وأمام غيرهم من التيارات، وعلى الجميع استثمارها وتعظيم نتائجها. كما أن هناك مخاطر كبيرة وصعبة تهدد مصر كلها وتهدد مستقبل الأجيال، وعلى الجميع تلافيها وتجنبها.
ففي مجال الفرص نجد هذا الشعور الإسلامي المتنامي الذي بدأ من الثمانينات وما زالت به قوة دفع كبيرة ستزيدها نتائج الانتخابات المصرية وما سيظهر فيها من تأييد لمنهج جماعة الإخوان المسلمين، ويجب تحويل هذا التأييد إلى طاقة عمل لإخراج الواقع من المأزق وذلك عبر تشجيع المشاركة المجتمعية وليس فقط السياسية. مع ضرورة إرساء قيم العمل والإنتاج والعدل والشورى والمحافظة على الوقت وإتقان العمل، ويمكن على صعيد آخر تصحيح الفهم للمنهج الإسلامي الذي لا يفصل بين العبادات والمعاملات. كما تحتاج جماعة الإخوان المسلمين إلى مزيد من الابتكار في مجال العمل الفني والإعلامي، ولا يكفي العمل فقط من خلال الصحيفة والموقع الإلكتروني وفضائية مصر 25 مبشرة ولكن غير كافية وإنما في الانتقال خطوة إلى الأمام في الإعلام العام الذي يمثل وجه مصر عالمياً ولا يمثل جماعة الإخوان المسلمون كتيار.
باختصار جماعة الإخوان المسلمين تحتاج إلى التعاطي مع المتغيرات الجديدة وإيجاد طرق التفكير العمل المبتكرة والخروج من مرحلة النخبوية إلى الفضاء الواسع. جماعة الإخوان لم تعد حركة معزولة بل إنهم أصحاب خبرة تاريخية، ومنهجهم يقوم على الإدراك العميق والتحليل الدقيق والتضحية. وطريقة الإخوان في العمل تقتضي التدرج في الإصلاح والتعاون مع الجميع و سبيل الإخوان في العمل يسعى إلى التغيير الحقيقي القائم على تغيير الشعوب والنفوس قبل تغيير الحكومات والسلاطين تطبيقا للآية الكريمة {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} وهذا الأسلوب بالتأكيد لن يترك فرصة للاصطدام ويجب أن تسعى جماعة الإخوان للتغيير المتدرج البطيء والعميق الواعي والشامل الواسع والدائم الثابت.
"والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"
وفق الله قيادة مصر إلى ما فيه خير العباد والبلاد
إن جماعة الإخوان يجب أن تكون عند حسن ظن من انتخبوها؛ لأنها من تربة مصر الكنانة وقدمت خيرة قادتها وأبناءها شهداء ومعتقلون ومنفيون على طريق الحرية، وجماعة الإخوان المسلمون بالتأكيد تعرف ما يشغل بال الجماهير المصرية وما يهمهم.