قائد الطوفان قائد الطوفان

هل تغير " القيادة اليهودية " وجه الليكود و(إسرائيل) ؟

 مجموعة من الشباب اليهودي المتدين (الأرشيف)
مجموعة من الشباب اليهودي المتدين (الأرشيف)

د. صالح النعامي

لقد عملت مجموعات من الشباب اليهودي المتدين على اختراق الأحزاب العلمانية. ويمكن القول أن مجموعة " القيادة اليهودية "، هي أكثر المجموعات المتدينة التي حققت نجاحات واضحة في اختراقها حزب الليكود الحاكم. وقد أسس هذه المجموعة موشيه فايغلين، الذي كان أحد الكوادر الشابة في حركة " كاخ " اليهودية الإرهابية، التي كان يتزعمها الحاخام مئير كهانا، والتي كانت تنادي بطرد الفلسطينيين للدول العربية. وبعيد التوقيع على اتفاقية " أوسلو " أسس فايغلين منظمة " هذه أرضنا "، التي كانت تنظم عمليات احتجاج هدفت لمنع تطبيق " أوسلو ". وكان فايغلين أول من فطن إلى أهمية اختراق الأحزاب العلمانية، سيما حزب الليكود، حيث نجح في تأسيس مجموعة أيديولوجية من الشباب المتدين، أطلق عليها "القيادة اليهودية "، تعمل على اقناع أكبر عدد من المتدينين، وتحديداً المستوطنين بالانتساب لحزب الليكود، وذلك من أجل الدفع بأكبر عدد من المتدنين للجنة التنفيذية للحزب التي تتولى اختيار قائمة مرشحي الحزب في الانتخابات التشريعية، كما أن مرشح الحزب لرئاسة الوزراء يتم اختياره في انتخابات تمهيدية يشارك فيها منتسبو الحزب، مما يعني أنه كلما كان زاد عدد المنتسبين من تيار أيديولوجي معين، كلما زاد من قدرته على تحديد هوية رئيس الوزراء (الإسرائيلي). وبالفعل فقد نجح مخطط " القيادة اليهودية "، وتمكنت من إيصال عدد كبير من أعضائها للجنة التنفيذية لحزب الليكود، مما جعل ساسة الليكود الراغبين في التنافس على مقعد في قائمة مرشحي الليكود للانتخابات التشريعية يخرجون عن طورهم في مسعاهم لاسترضاء أعضاء " القيادة اليهودية ". ومن أجل أن يضمن كل سياسي في الليكود مستقبله كنائب أو وزير فعليه أن يعلن التزامه بسلسلة من التعهدات أمام أعضاء " القيادة اليهودية " تتمحور معظمها حول سبل دعم المشروع الاستيطاني والتهويدي في الضفة الغربية والقدس؛ إلى جانب الالتزام بعدم منح أية فرصة لمشاريع التسوية الهادفة لحل الصراع مع الشعب الفلسطيني. وقد وصل الأمر بعدد الساسة العلمانيين في الحزب الليكود إلى حد " ترف التطرف " في تبنيهم المواقف الصقرية المتطرفة استرضاءً لإعضاء القيادة اليهودية. ولعل المواقف التي تعبر عنها عضو الكنيست عن حزب الليكود العلمانية ميري ريغف، التي كانت ناطقة باسم الجيش (الإسرائيلي) تصلح مثالاً للمسافة التي تبدي النخب العلمانية في الليكود استعداداً لقطعها  في تزلف أعضاء " القيادة اليهودية .  فريغف لا تتورع عن اتهام نتنياهو بـ " التفريط " بحقوق اليهود في الضفة الغربية، مع أنه لا خلاف على أن نتنياهو هو أكثر وزراء (إسرائيل) تطرفاً في كل ما يتعلق بالتسوية مع الفلسطينيين، وذلك لأنها تدرك أن أعضاء " القيادة اليهودية معنيون بمحاصرة نتنياهو وزجره عن الرضوخ لأي ضغط خارجي بإبداء مرونة على صعيد المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.

 

**من التأثير للقيادة

    ولقد أغرت النجاحات التي حققتها " القيادة اليهودية " قيادتها بعدم الاكتفاء بالتأثير على مجريات الأمور في حزب الليكود، بل أخذت مؤخراً تسعى لتكون جزءاً أصيلاً من قيادة الليكود. ومما يدلل على هذا التوجه حقيقة أن فايغلين أصبح السياسي الوحيد الذي يتجرأ على منافسة نتنياهو على زعامة حزب الليكود. وقد خاض فايغلين معركتين في مواجهة نتنياهو، حصل فيهما على 25% و30% من أصوات منتسبي الحزب، وهذا يعد انجازاً كبيراً ومهم.  وقد أعلنت " القيادة اليهودية " أن قادتها سيتنافسون على مواقع في قائمة مرشحي " الليكود " للبرلمان قبيل الانتخابات التشريعية القادمة، بحيث أنهم لم يعودوا يكتفون بمنح أصواتهم لساسة علمانيين مقابل الحصول على تعهدات منهم بشأن دعم الاستيطان والتهويد ونبذ التسوية؛ بل باتوا يستعدون ليكونوا ضمن كتلة الليكود البرلمانية في الكنيست القادم. وحسب استطلاعات الرأي العام التي أجريت مؤخراً، فإنه من المتوقع أن تتمكن " القيادة اليهودية " من إيصال عشرة من قادتها وكوادرها إلى أماكن مضمونة في قائمة مرشحي الليكود في الانتخابات التشريعية، أي أنهم سيحصلون على ثلث عدد المقاعد. والمفارقة أن الجهات التي انبرت لدعم " القيادة اليهودية " مالياً كانت جماعات اليمين المسيحي في الولايات المتحدة. لكن ازدياد نفوذ فايغلين في الحلبة الحزبية (الإسرائيلية) دفع الكثيرين من رجال الأعمال (الإسرائيليين) لدعمه والتبرع لحملاته الانتخابية، وعلى رأس هؤلاء رجل الأعمال شلومو بن تسفي، الذي يملك معظم أسهم قناة التلفزة العاشرة، التي تعتبر أحد أهم قناتي تلفزة في (إسرائيل). ونظراً للإقبال الكثيف على دعمه، فقد أعلن فايغلين أنه لم يعمد يتحمس لقبول المزيد من عروض الدعم بسبب كثرتها. وإن كانت عمليات التسلل لحزب الليكود هي الأوضح والأكبر، إلا أن العلمانيين تمكنوا من إيصال عدد من النواب المتدينين لقائمتي حزبي " (إسرائيل) بيتنا " و " كاديما " العلمانيين.

**تداعيات الاختراق

    لقد بات في حكم المؤكد أن تسلل المتدينين للأحزاب العلمانية الكبيرة  سيقود إلى هذه التداعيات:

أولاً: إشعال جذوة الصراع مع العالم العربي وإسدال الستار على التسوية السياسية. فالبرنامج السياسي لفايغلين يدعو صراحة إلى فرض السيادة اليهودية على المسجد الأقصى وتدميره وإقامة الهيكل الثالث على أنفاضه. ويرى فايغلين أنه يمكن أن يقبل ببقاء الفلسطينيين في الضفة الغربية وفي فلسطين 48 فقط في حال قبلوا بالسيادة اليهودية على فلسطين وقبلوا بتجريدهم من حقوق " المواطنة "، مع أنه يجاهر بأن هدفه الأسمى هو طرد الفلسطينيين للدول العربية. ويبدي فايغلين حماسه لنظرية صراع الحضارات، ويقول: " كل طفل يولد في القاهرة هو ابن لادن جديد ".

ثانياً: تشجيع التعاطي العنصري مع العرب، حيث أن فايغلين يتبنى موقفاً عنصرياً بالغ القتامة تجاه العرب، فهو يقول: " العربي لا يعيش في صحراء، بل هو يوجدها"، ويصف الإسلام بأنه دين " إجرامي ".

ثالثاً: إدخال تحولات كبيرة على النظام السياسي (الإسرائيلي)، ففايغلين الذي يستغل أدوات الديموقراطية يجاهر برفضه لها، وهو لا يتردد في تفضيل حكم التوراة على القوانين الوضعية. ومن المفارقة أن فايغلين قد عبر في أكثر من مناسبة عن إعجابه بالزعيم النازي هتلر بسبب توظيفه للديموقراطية في خدمة أهدافه الأيديولوجية.

ما تقدم يشكل دليلاً إضافياً على مدى انزياح المجتمع (الإسرائيلي) نحو التطرف العنصرية والشوفينية بشكل يجعل من السخف مواصلة الرهان على تحقيق تسوية سياسية للصراع مع الكيان الصهيوني.

 

 

 

البث المباشر