قالت صحيفة "تليجراف" البريطانية إن الرئيس المصرى المنتخب "محمد مرسى" يواجه معضلة حقيقية، فهو اما ان يبقى على معاهدة السلام مع "اسرائيل" دون أى تغيير، وبالتالي يرضى امريكا و"اسرائيل"، ويغضب مؤيديه من الجماهير، أو أنه يقدم على تغيير الاتفاقية، وبالتالي يواجه بعض المشاكل على المستوى الخارجى.
واشارت الصحيفة الى انه بعد رحيل الرئيس السابق "حسني مبارك" عن السلطة ، على ما يبدو انه لا مفر أن يتم التدقيق واعادة النظر في معاهدة السلام، فقد أثار فوز" محمد مرسي" في الانتخابات الرئاسية على حد سواء الخوف والتكهنات حول مستقبل معاهدة "كامب ديفيد" للسلام.
وأوضحت الصحيفة انه قبل الشروع فى التوقعات، من الضروري أولا الوقوف على بعض الحقائق:
العداء الشعبى
أولا، هناك حالة من العداء تجاه "إسرائيل" في مصر، وعامة الشعب ليسوا في مزاج لإقامة علاقات حميمة معها ، التى توصف على نطاق واسع من كافة اطياف المجتمع المصرى، من اليساريين إلى جماعة الإخوان المسلمين الى السلفيين المحافظين بدولة "الكيان الصهيوني ".
"منذ عام 1948، سارت العلاقة بين مصر و"إسرائيل" من خلال عدة مراحل
"
وقد أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة التى قام بها مركز "بيو" للأبحاث أن معظم المصريين يؤيدون الانقلاب على معاهدة السلام الموقعة عام 1979.
سيناء مشكلة
ثانيا، ان جماعة الاخوان المسلمين ظلت تعمل سنوات عديدة فى المعارضة، حلمت من وراء الكواليس بتحرير القدس وإقامة حكم الخلافة، ومع وصول "محمد مرسى" للسلطة، فإن هناك العديد من التحديات الهائلة التي تواجه أمن سيناء قبل أي شيء آخر.
وكان دمج سيناء في مصر دائما إشكالية واجهت الحكومات المصرية المتتالية، وقد فشلت كل المحاولات.
وكان الأمن فى سيناء مصدر قلق حتى في عهد "مبارك"، لإيجاد حل لهذه المشكلة، حيث كان يتم اغلاق الحدود مع غزة، وهو القرار الذي كلف "مبارك" غاليا من الناحية السياسية.
وأخذت المشكلة منعطفا خطيرا بعد ثورة 25 يناير، مع التقارير التي لا نهاية لها من تدهور الأمن فى سيناء، واختطاف السياح، وانتشار الجماعات المسلحة في المنطقة.
المفتاح فى غزة
ثالثا، ان المعاهدة الأولى بين مصر و"إسرائيل" لن يتم تحديد مستقبلها ، في القاهرة أو القدس، وبالتأكيد ليس في واشنطن، ولكن في قطاع غزة ، من قبل أطراف ثالثة - وهى مختلف المجموعات مسلحة – التى تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في الوضع الأمني المتدهور في سيناء. فإذا نجحت هذه الجماعات في التسلل الى اسرائيل من سيناء وتسببت فى خسائر واسعة الانتشار، فإنها يمكن أن تجر المصريين والإسرائيليين إلى مواجهة غير مرغوب فيها.
"يمكن تبنى سياسة وساطة إيجابية عادلة بين مختلف الفصائل الفلسطينية و"إسرائيل"، والتي أثبتت نجاحها في الثمانية عشر شهرا الماضية بعد رحيل الرئيس "مبارك".
"
العلاقة سارت فى 3 مراحل
وقالت الصحيفة انه منذ عام 1948، سارت العلاقة بين مصر و"إسرائيل" من خلال عدة مراحل، المرحلة الأولى، تأرجحت بين العداء الكلي والجزئي عندما كانت مصر بمثابة الراعي للقضية الفلسطينية، والمرحلة الثانية، هى "السلام البارد"، عندما حاولت مصر - دون جدوى في الغالب - القيام بدور الوسيط بين الفلسطينيين والاسرائيليين، طيلة السنوات الماضية ، والآن دخلت كلا البلدين المرحلة الثالثة، وسوف يكون لمصر بقيادة "مرسي" خياران:
خياران
واوضحت ان الخياران الذان امام الرئييس المنتخب هما :
الخيار الاول: أنه يمكن تبنى سياسة وساطة إيجابية عادلة بين مختلف الفصائل الفلسطينية و"إسرائيل"، والتي أثبتت نجاحها في الثمانية عشر شهرا الماضية بعد رحيل الرئيس "مبارك". ويمكن أن توفر أيضا الدعم اللوجستي والمعنوي لحكومة حماس في غزة، ولكن مع وضع خطوط حمراء تمنع التسلل عبر سيناء إلى إسرائيل ويبدو أن هذا هو الخيار المفضل حاليا من قبل الجيش المصرى.
"الخيار الثانى ان يحاول مرسى استعادة الوضع القديم ، برعاية الجماعات الفلسطينية التى لن تقبل باقل من تقديم المساعدات والدعم المالى واللوجستى وحتى العسكرى ، كما فعلت سوريا ، وفى هذه الحالة فأن المواجهة المباشرة مع اسرائيل ، لامفر منها
"
ومن المحتمل الا يغير "مرسي" كثيرا فى هذا الخيار. ومع ذلك، فإن هذا الخيار قد يضع الاخوان المسلمين على مسار تصادمي مع اشقائهم من الاخوان المسلمين في غزة. الا ان الفلسطينيين الذين هتفوا بفوز "مرسي" (الأخ الأكبر) لن يكونوا سعداء لرؤيته بغض الطرف عن الحملة العسكرية ضد المتشددين في سيناء أو إلقاء القبض على متسللين من قطاع غزة.
وحتى لو وافقت حماس وتفهمت الوضع الحساس لجماعة الإخوان المسلمين فى مصر، فهل ستفهم وتقدر حركات "الجهاد الاسلامي" والفصائل الفلسطينية الأخرى ذلك؟!
والخيار الثانى ان يحاول مرسى استعادة الوضع القديم ، برعاية الجماعات الفلسطينية التى لن تقبل باقل من تقديم المساعدات والدعم المالى واللوجستى وحتى العسكرى ، كما فعلت سوريا ، وفى هذه الحالة فأن المواجهة المباشرة مع اسرائيل ، لامفر منها .
حلم تحرير القدس
كما اكدت الصحيفة ان بقاء معاهدة السلام، سيتوقف على طريقة مرسى فى السيطرة على الوضع الامنى فى سيناء ، وكيف انه سيتعامل مع الاشقاء فى عزة .
وقالت الصحيفة :" حقا انها معضلة لجماعة ( الاخوان المسلمين) التى بنت سمعتها على حلم تحرير القدس ".
ورأت الصحيفة أنه حتى الان، فأن المرجح ان ينتهج "مرسي" سياسة الوساطة الايجابية ، وإذا فشلت هذه الجهود، فأنه من المرجح أن يلقى باللوم على الجيش والمؤسسة الأمنية.
كما انه قد يستخدم أيضا الوضع في غزة لتحويل الرأي العام أكثر وأكثر ضد المجلس العسكري الحاكم.
وهناك كارت آخر، يمكن أن يلعب به "مرسي"، وهو اثارة بعض التصرفات والأعمال العدائية المستترة ، مثل تجميد الاتصال مع مسؤولين "اسرائيليين"، وقطع العلاقات الاقتصادية، ومنع السياح الإسرائيليين من دخول سيناء بدون تأشيرة، ومع ذلك، فإن هذا سيكون لعبة خطرة، فمن جانب، انها قد تعزز شعبية مرسي ، ولكن من ناحية أخرى، فإنه يمكن أن تتدهور العلاقة مع "إسرائيل"، والتي بدورها ستحد من قدرة مصر على لعب دور الوسيط.
وشددت الصحيفة على انه على الرئيس "مرسى" التفكير جيدا قبل اتخاذ الخطوة المقبلة ، فمصر تحت قيادته ، سيكون امامها خياران ، اما ان تلعب دور الوسيط او دور الراعى ، ولا يمكن ان تلعب الدورين معا حيث ان المزج بين عداء مخفى وود ظاهر ، امر محفوف بالمخاطر ، وفى بلد مثل مصر تتطلع لاعادة بناء اقتصادها ، فأن الجميع يتذكرون ايام الحروب ، ولا يريدون عودتها مرة اخرى.
الواقع والاحلام
وختمت الصحيفة بأنه اجلا ام عاجلا لا يمكن لجماعة الاخوان المسلمين ان تعمل فى ظل سياسات متناقضة ، وستجد نفسها مضطرة للاختيار بين الواقع والاحلام ، ومن غير المعروف ما اذا كانت معاهدة السلام ستظل قيد الحياة ام لا .
ولكن المعروف حتى الان ، انه اذا تمكنت مصر تحت قيادة "مرسى" من الحفاظ على الاتفاقية ، فأن السلام سيستمر، ولكن قد لايدوم ذلك طويلا.