قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: الرئيس القدوة..

أداء الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي خلال الأيام القليلة الماضية يبعث على الرضى والارتياح، ويثير في النفس آمالا كبرى لجهة تقديم نموذج رئاسي، متزن ورصين، قادر على قيادة الشعب والأمة وتبني طموحاتها خلال المرحلة المقبلة.

لم يتوقع الكثيرون أن يظهر الرئيس مرسي على هذا النضج الكبير والمسئولية العالية، وأن يستدر جزءا معتبرا من مساحات التعاطف والتأييد التي فقدها خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

انفتاح واضح على كل مكونات المجتمع المصري، تواضع جمّ وبساطة منقطعة النظير جعلت منه مواطنا من عامة الشعب لا يتميز عنهم بشيء، عمق في الفهم والرؤية والفكر السياسي منحه ثقة سياسية وشعبية لافتة، قدرة على التعاطي وإدارة الحوار مع مؤسسات الدولة المصرية وعلى رأسها المجلس العسكري الذي يملك اليد العليا ويتحكم بمفاصل القرار العملي في الدولة، وأولا وأخيرا صدق مع الله والذات والشعب، وعهد وقسم بعدم خيانة الأمانة أو التنكّر لحقوق ومطالب الشعب والأمة، وإلا لا طاعة له على أحد.

تلك أبرز سمات الرئيس مرسي التي تجلت خلال الساعات الأخيرة، ومنحته ثقة وتقدير الكثيرين الذين رفعوا راية التشكك في قدرته على إدارة الدولة منذ لحظة ترشحه للانتخابات الرئاسية بحكم التشويه الإعلامي والأحكام المسبقة.

لم يدعُ الرجل إلى دولة دينية كما تخيل البعض، فلا دولة دينية بهذا المعنى في الإسلام أو الفكر الإسلامي المعاصر، ولم يستبد الرجل برأيه وموقفه جبرا وقهرا كما أشاع بذلك البعض، ولم يرتبك في مواجهة الشعب المصري الثائر وقواه الثورية في ميدان التحرير أو إجراءات نقل السلطة، ولم يمارس النزعة الحزبية والانغلاق الفئوي أو يبدأ تصفية حساب مع الخصوم السياسيين، ولم يسقط في فخ مواجهة استحقاقات المواقف السياسية في تلك اللحظة التاريخية الفارقة من حياة مصر وأهلها وثورتها المجيدة، ولم...، ولم...

بدا مرسي رجل دولة بكل معنى الكلمة، يدرك تماما ما يقوله سياسيا واقتصاديا واجتماعيا من الألف إلى الياء، ويعي متطلبات حقيقة كونه رئيسا لجميع المصريين بدون استثناء، ويُحسن التعاطي بكل حكمة واقتدار مع التحديات الداخلية والخارجية على السواء.

مشهد البداية الذي جلّل مسيرة مرسي كان ناصعا تماما وموفقا للغاية، ويبشر بعهد جديد من الانفتاح والتسامح والتعاون في حياة المصريين تحت رعاية رئيسهم الجديد.

ليهنأ المصريون برئيسهم القدوة الذي جسد كل المعاني والقيم السياسية والأخلاقية والإنسانية مع مطلع رئاسته الفتيّة.

وكلنا انتظار لخطوة مرسي التالية نحو بناء برنامج عمل وطني ينتظم جميع مطالب وطموحات المصريين وشرائحهم وقطاعاتهم المختلفة، ودقة اختيار أعضاء حكومته وفريقه الرئاسي على أساس من الكفاءة والاقتدار، فهذا ما سيخفف عنه جزءا من جسامة التحديات التي تتهدد مسيرته خلال المرحلة المقبلة.

تجربة الرئيس القدوة -على بدايتها-أحرى أن يتم تدريسها في أروقة الحركات الإسلامية والسياسية في العالم العربي والإسلامي قاطبة، علّنا نخرج من أسر الانغلاق الحزبي الذي أضر بمشروعنا الحضاري، الفلسطيني والعربي والإسلامي، طيلة العقود الماضية، ونتقدم –كفلسطينيين على وجه الخصوص- خطوة حقيقية إلى الأمام صوب تحقيق أهدافنا وطموحاتنا المشروعة.

 

 

البث المباشر