قائد الطوفان قائد الطوفان

هل من مخطط لاستبدال عباس بفياض؟

بقلم/ د. صالح النعامي

لقد توفرت مؤخراً عدة مؤشرات تدلل على أن رئيس حكومة رام الله سلام فياض يتعاون مع مخطط أمريكي (إسرائيلي) يهدف إلى استبدال رئيس السلطة محمود عباس به.

ففجأة بات الرئيس الأمريكي باراك أوباما يحمل عباس شخصياً المسؤولية عن جمود " العملية السلمية "، ويتهمه بأنه يعيق فرص التوصل لحل نهائي للصراع القائم في المنطقة.

بالطبع يتجاهل أوباما ما يقر به جميع المسؤولين الأمريكيين الذين لعبوا دوراً في المفاوضات بين (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية، والذين أشادوا كثيراً بـ " اعتدال " عباس وسجلوا بكثير من التقدير إصراره على رفض العمل المسلح كآلية لتحقيق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، إلى جانب تقدير هؤلاء المسؤولين لدفاع عباس عن تواصل التعاون الأمني بين أجهزته الأمنية والجيش (الإسرائيلي).

ومن بين هؤلاء المسؤولين دنيس روس، مستشار أوباما السابق لشؤون الشرق الأوسط والسفير الأمريكي الأسبق في (إسرائيل) مارتن إنديك وغيرهم. هذا في الوقت الذي يحمل فيه الكثير من الكتاب والصحافيين (الإسرائيليين) رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو شخصياً المسؤولية عن الطريق المسدود التي آلت إليه الجهود الهادفة لتحقيق تسوية سياسية للصراع.

بالطبع من البديهي الإشارة إلى حقيقة أن عباس ضحى مراراً وتكراراً بفرص تحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء حالة الانقسام فقط لمجرد أن ذلك لا ينسجم مع الرغبة الأمريكية (الإسرائيلية).

 لقد تجاهل أوباما الإجراءات اليومية التي تقدم عليها (إسرائيل) يومياً والتي تقضي على أية فرصة للتوصل لتسوية سياسية للصراع، والمتمثلة في التوسع في الاستيطان في الضفة الغربية، وإقامة المزيد من المشاريع الهادفة لتهويد مدينة القدس.

أما الخطوة الثانية في إطار المؤشرات على تغير الموقف الأمريكي تحديداً من عباس، هي التهديدات المباشرة التي وجهتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون أثناء لقائها الأخير في باريس، حيث حذرته من أن الولايات المتحدة ستتوقف عن تحويل المساعدات المالية للسلطة وستغلق مقر الممثلية الفلسطينية في واشنطن في حال توجه عباس للأمم المتحدة للحصول على مقعد لفلسطين في الأمم المتحدة.

وفي ذات الوقت، أخذ أعضاء في الكونغرس الأمريكي، من الحزبين الديموقراطي والجمهوري يشنون حملات منظمة على عباس شخصياً، وباتوا يتهمونه بأنه يوظف أموال الدعم في تحقيق الثراء له ولأبنائه.

وتتحدث وسائل الإعلام (الإسرائيلية) والأمريكية عن توسيع دائرة الحملات الهادفة للطعن في نزاهة عباس وأفراد عائلته. بكل تأكيد أن أركان الإدارة الأمريكية يعون تماماً عمق مظاهر الفساد في مؤسسات السلطة وعلى مدى فترة طويلة، لكنهم اختاروا ليس فقط الصمت، بل تشجيع القيادات الفاسدة على مواصلة هذا النهج.

من الواضح أن الحملة التي يشنها الأمريكيون مؤخراً تشبه الحملة التي شنتها إدارة الأمريكية السابقة ضد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 2002، وهي الحملة التي منحت (إسرائيل) الغطاء للتخلص منه في نهاية الأمر.

لكن أهم ما يعزز الانطباع بأن التوجهات الأمريكية الأخيرة تأتي في ظل مخطط متكامل لاستبدال عباس، حقيقة أن فياض أوضح لأول مرة أنه يدرس التنافس على رئاسة السلطة في الانتخابات القادمة، حيث أن فياض حرص في الماضي على النأي بنفسه عن أي حديث عن خلافة عباس.

 والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا هذا التوجه للتخلص من عباس، على هذا النحو، مادام أنه لا خلاف على حرصه على عدم الخروج عن الخطوط الحمراء إسرائيلياً وأمريكياً؟.

إن أكثر ما يزعج الأمريكيين على وجه الخصوص حقيقة أن عباس لم يعد قادراً على استئناف المفاوضات مع الجانب (الإسرائيلي)، مما يعني إن الجمود الحاصل في العملية التفاوضية يمكن أن يولد فراغاً خطيراً قد يقود بدوره إلى توفير المسوغات الموضوعية لإشعال الأوضاع في الضفة الغربية، بحيث تنتقل هذه الشعلة إلى مناطق أخرى في الإقليم، مما يعني تهديد المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.

ومما يزيد من حرج الإدارة الأمريكية حقيقة أن ثورات الربيع العربي قد أدت إلى تراجع مكانة الولايات المتحدة بشكل واضح، بحيث أن أية إضافة إلى مصدر للتوتر يعني بشكل واضح إحداث مزيد من التراجع بمكانة واشنطن، وهذا ما تحاول إدارة اوباما تجنبه بكل ثمن.

أوباما، الذي يتطلع لولاية ثانية في البيت الأبيض لا يخطر بباله المجازفة بإغضاب قادة المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة عبر ممارسة ضغوط على حكومة نتنياهو لدفعها لتقديم مواقف مرنة، لا سيما في ظل تقلص الفارق بينه وبين المنافس الجمهوري روماني، وهذا يعني أن عليه أن يتجه لممارسة الضغوط على ما يعتبره "الحلقة الأضعف"، وهي قيادة السلطة.

ولما كان عباس غير قادر على توفير البضاعة المطلوبة واستئناف المفاوضات والتوصل لحل سياسي ينسجم مع المواقف (الإسرائيلية)، فإن هناك حاجة للتخلص منه واستبداله بشخصية أخرى مستعدة للتعاطي مع المواقف الامريكية (الإسرائيلية). 

لكن من الواضح أن فياض الذي يعي أن شعبيته متدنية إلى حد كبير في أوساط الفلسطينيين، أخذ يراهن على آلية "خلق الأزمات"، ومن ثم تقديم نفسه كالشخص الوحيد القادر على حلها، على أمل أن يسهم ذلك في تصاعد أسهمه في انتظار الفرصة السانحة لإحلاله محل عباس. ولعل هذا ما يفسر الحديث عن الأزمة المالية التي يجمع الكثير من خبراء الاقتصاد على أنها مفتعلة.

ففياض الذي كان يزعم أنه قد انجز اقامة البنية التحتية للدولة الفلسطينية العتيدة، بات يدعي أن حكومته لم تعد قادرة على توفير رواتب الموظفين.

على الرغم من انه ليس كل ما تخطط له واشنطن و(تل أبيب) سيتحول إلى حقيقة ناجزة، إلا أن صناع القرار في الإدارة الأمريكية في حال فشلوا في استبدال عباس بفياض، فإنهم سيواصلون ترويض عباس ومنعه من القيام بأية خطوة تغير الوقائع على الأرض بشكل جذري.

البث المباشر