قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: الوضــع الفلســطينـي فــي مـتـاهـتـه !!

بعد غيبة طويلة منذ اتهامه لمحمود عباس ودحلان بالتآمر لاغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات عاد رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية إلى الساحة ببيان شنَّ فيه هجوما لاذعا على السلطة وقيادتها.
وبعيدا عن الأسباب التي دفعته لشن الهجوم فإن الاستماع لما قاله يبدو ضروريا في هذه المرحلة التي تعيش فيها القضية الفلسطينية متاهة حقيقية وصلت حد قول زعيمها (رئيس السلطة والمنظمة وحركة فتح) لوفد يهودي زاره في رام الله بأن "إسرائيل" وجدت لتبقى.
بدأ القدومي هجومه بانتقاد المسعى الذي يستهلك وقت السلطة وكبير مفاوضيها ورئيسها منذ شهور ممثلا في طلب الحصول على دولة غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة بعد إشغال الفلسطينيين زمنا في مسعى الحصول على دولة بعضوية كاملة.
وتساءل القدومي: "أليست فلسطين عضوا مراقبا منذ عام 74 بناءً على قرار الجمعية العمومية رقم 3237 بتاريخ 22/11/1974 بعد خطاب الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في الجمعية العمومية؟".
ثم أضاف: "ماذا يهدفون من هذا التوجه؟.. هل هو للتخلص من الإرث النضالي لمنظمة التحرير وفصائل المقاومة ووأد قرارات الشرعية الدولية التي تؤكد حق تقرير المصير وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هُجِّروا منها قسرا.. لماذا لا نؤكد ذاك القرار ونمارس حقنا؟!".
عريقات رد على هذه النقطة الأخيرة بأن الحصول على عضوية الدولة في الأمم المتحدة لا يعني تهميش منظمة التحرير الفلسطينية مع أنها مهمشة أصلا، إذ لا تعدو أن تكون مؤسسة ملحقة بالسلطة يستدعيها الرئيس للبصم على قرار أو إصدار بيان كلما اقتضت الحاجة مع أن تمثيلها للشعب الفلسطيني لن يكتمل دون إعادة تشكيلها وضم حماس والجهاد إليها.
لم يتوقف القدومي عند ذلك بل انتقد مجمل أداء السلطة بقوله: "المقاومة محرمة والمقاوم أصبح إرهابيا يُعاقب بالملاحقة والسجن وربما القتل، فهو خارج عن القانون وعليه الانصياع لأوامر وتعليمات دوائر دايتون الأمنية ولجان التنسيق المشتركة، وأصبحت المفاوضات العبثية هي الهدف الأسمى لأركان وبقايا زمرة أوسلو، والاستيطان وتهويد القدس وتدنيس الأماكن المقدسة على قدم وساق لا من رادع أو حتى معارض فعلي".
ثم تحدث عن النهب والفساد المالي والإداري وما يقترفه البعض في السلطة بحق الوطن والمواطن، "وكأن الأرض مزرعة خاصة والمواطن أجير، لا حق له في الشكوى أو المطالبة بحقوقه المشروعة.. هكذا تحرر الأوطان ويتصرف المسؤول!".
لم يأت بيان القدومي بجديد ربما باستثناء حديثه عن وجود اعتراف مسبق بفلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة مع العلم أن ما وراء ذلك يتجاوز تهميش منظمة التحرير وقضية اللاجئين إلى ما هو أخطر بكثير ممثلا في تكريس وضع السلطة كدولة تعيش نزاعا حدوديا مع جارتها، وهو نزاع لا مكان لنقاشه خارج الأطر التفاوضية برعاية دولية.
بين يوم وآخر يصرخ قادة السلطة بشأن الاستيطان والتهويد، ثم يعودون ليسكتوا لأنهم يخشون تحريض الجمهور أكثر على نحو يمكن أن يسبب له نوبة ثورية تدفعه لتفجير انتفاضة تصعب السيطرة عليها.
منذ وراثته لياسر عرفات (السلطة والمنظمة وحركة فتح)، بل ربما قبل ذلك كان محمود عباس واضحا في برنامجه السياسي ممثلا في التعويل على المفاوضات وحدها مع استعادة وضع السلطة قبل انتفاضة الأقصى، وهذا ما انسجم تماما مع إرادة العدو في الحصول على أقصى درجات الأمن من دون دفع استحقاق سياسي يذكر، بل مع مواصلته لسياسة الاستيطان والتهويد.
صحيح أن صاحب الرئاسات الثلاثة لم يوقع على اتفاق يخالف ما يسمى الثوابت الفلسطينية (ليست كذلك بالنسبة لجماهير الشعب والأمة) لكن الجميع يعلم أنه عرض على العدو دون جدوى ما هو أكثر إغراءً منها كما كشفت وثائق التفاوض التي عرضتها الجزيرة.
أما الأهم فهو أنه يجمِّد القضية برمتها إلى زمن لا يُعرف مداه فيما تجري إعادة تشكيل لوعي الناس في الضفة الغربية بحيث يقبلون الواقع القائم وينسجمون معه تمام الانسجام، وليغدو الوضع المعيشي هو الأهم عندهم بعيدا عن سياسات الاحتلال.
لا خلاف على أن الانقسام يكرس هذا الواقع البائس، ولا شك في أن ورطة حماس بدخول انتخابات أوسلو ومن ثم الحسم العسكري قد منحت قادة السلطة فرصة التحكم بملف القضية بالكامل دون اعتراض جدي.
في المقابل تجد حماس (غزة) نفسها في وضع يتطور نحو دولة منفصلة تتجنب المقاومة كي تعيش ويعيش ناسها بأمان في ظل كلفة عالية جدا لمقاومة صعبة الإنجاز من بقعة صغيرة محاصرة، وهذا ما يبدو مريحا بالنسبة للبعض ما دام الخيار الآخر هو الانضمام لسلطة تعادي المقاومة ولا تريد من المصالحة غير ضم القطاع لبرنامج السلطة/الدولة وفق منهج (دايتون/بلير)، كما إنه مريح أيضا للاحتلال الذي يرى كيف تحول القطاع إلى دولة جوار من الناحية العملية.
هكذا يتعايش الجميع مع الأمر الواقع في الضفة والقطاع دون أفق سياسي للقضية برمتها.. اللهم سوى انتظار ثورة شعبية يجري العمل حثيثا على إبعاد هاجسها في الضفة، لأن ثورة كهذه هي الوحيدة القادرة على إعادة القضية لسكتها الصحيحة ودمج الأرض الفلسطينية كلها بما فيها القطاع في انتفاضة شاملة ستكون قادرة على دحر الاحتلال عن الأراضي المحتلة عام 67 بقوة الوضع العربي الجديد رسميا وشعبيا في انتظار تحولات تسمح بالتحرير الشامل. متى سيحدث ذلك؟ لا ندري.
هل سمعتم بالأمس خطاب الرئيس الفلسطيني إثر مظاهرات الغلاء؟.. بماذا شعر المواطن الفلسطيني في الداخل والخارج؟.. هل هذه قيادة تتحمل مسؤوليات قضية بهذا الحجم؟!.. نترك لكم الإجابة.

صحيفة الدستور الأردنية

البث المباشر