الطب الشرعي: الفحص يتم بسرية من قبل أخصائيات
قانوني: النيابة تسهو عن طلب تقرير الطب الشرعي
نائبة: الشرع والعرف لا يبيح القتل لولي أمر الفتاة
حقوقي: تعامل القضاة مع القتلة يشجع على تكريس الظاهرة
الشرع: ضرورة التحري عبر الطرق الشرعية والقانونية
غزة/مها شهوان
لم تكتمل فرحة ابنة التاسعة عشر بطرحتها وثوب زفافها الأبيض الذي لطالما حلمت بارتدائه كباقي الفتيات،وحينما جاء اليوم المنتظر الذي كان من المفترض أن تزف فيه إلى عريسها زفت إلى قبرها عندما أقدم أخاها بمساعدة أبناء عمه بخنق شقيقته تحت ذريعة المحافظة على شرف العائلة, "الرسالة متحفظة على الأسماء".
وأثناء التحقيق في الحادثة تبين أن ابن عم الضحية كان يرغب بالزواج منها إلا أن جميع محاولاته باءت بالفشل ، فما كان منه إلا أن أوشى لأخيها بان شقيقته كانت على علاقة مع احد شبان المنطقة مما افقدها عذريتها ، جن جنون شقيقها وخنقها بمساعدة أبناء عمه حتى الموت.
وحينما تم عرض الضحية على الطب الشرعي تبين أنها لازالت بكرا ،بالإضافة إلى أن التحريات أثبتت أن الفتاة ذات أخلاق حميدة.
أما "ك.غ" التي تجاوزت الـ38 من عمرها ولم تكن متزوجة فكان مصيرها الخنق كسابقتها, لكن تفاصيل الرواية تختلف، حيث كانت تعيش في بيت أخيها الذي يصغرها بأعوام, متحملة معايرة زوجة أخيها الدائمة بعنوستها، إلى جانب الافتراءات التي تدعيها على الضحية .
لم يستطع الزوج تحمل الخلافات الدائمة بين زوجته وشقيقته حتى خنق الأخيرة لتسقط جثة هامدة بين يديه ،مدعيا بأنه قتلها ليغسل عار العائلة ،لكن الطب الشرعي اثبت بأنها لازالت محتفظة بعذريتها بعد وفاتها .
السلوكيات السيئة
لا يمكن الجزم أن تلك الحالات السابقة باتت ظاهرة منتشرة في الشارع الفلسطيني لكنها موجودة، ففي العام المنصرف وثقت الجهات القانونية ثمانية حالات قتلن على خلفية الشرف كان من بينهن أربعه حالات أثبتت الجهات المختصة عذريتهن .
وضمن متابعة "الرسالة" لحالات أخرى, فقد كانت الفتاة العشرينية "ل.ق" تتمتع بجمال ميزها عن باقي الفتيات جعل شبان المنطقة يتهافتون عليها لإرضائها ، وكانت الأخت الوحيدة لإخوانها, الذين لم يرق لهم حالها نظرا لقيامها ببعض السلوكيات السيئة .
تمتلك عائلة الفتاة العديد من الأراضي والأملاك ، إلا أن إخوانها رفضوا أن ترث أختهم شيئا فقتلوها خوفا من أن تتزوج إحدى الشبان الذين لها علاقة بهم وتطالب بحقها في الميراث ،وبالرغم من سلوكها السيئ إلا أن الطب الشرعي أثبت عذريتها.
العديد من القتلة يتجرؤون بارتكاب جرائمهم على خلفية الشرف لأنهم يدركون بان القانون سيشفع لهم و الأحكام المتخذة ضدهم ستكون مخففة.
الشرطة الفلسطينية رفضت الإدلاء بأية معلومات حول هذه القضايا معتبرة أنها ليست ظاهرة ولا تستحق النقاش، لكن "الرسالة" تناقش القضية لوجود حالات - حصلت عليها من جهات موثوقة - تواجه خلافا بين القانون والعرف.
شرف العائلة
وفي هذا السياق ذكر مدير دائرة الطب الشرعي بدار الشفاء عصام الهبيل بان جميع الحالات التي يتم الكشف عنها في دائرته تأتي عن طريق النيابة ،موضحا بان فحص الفتيات يتم من خلال طبيبات مختصات يقمن بفحص العذرية.
ويضيف الهبيل:"بعد الانتهاء من فحص الحالة بشكل كامل يتم كتابة التقارير بسرية تامة ومن ثم ترسل إلى النائب العام"،مشيرا إلى أن الطب الشرعي أصبح لديه مركزية القرار .
وأشار الهبيل إلى أن حالات الوفاة التي ترد إلى مستشفيات القطاع بالنسبة للفتيات جميعها يخضع للكشف لمعرفة أسباب الوفاة عن طريق الطبيب الشرعي،لافتا إلى وجود بعض الحالات التي يحضرها الأهالي بحجة أن ابنتهم توفيت نتيجة تسمم أو ما شابه ذلك ،إلا أن الطب الشرعي يثبت أنها قتلت على خلفية شرف.
وعن حالات قتل الفتيات أضاف:" تأتي الفتيات مقتولات إما طعنا بالسكين أو خنقا حتى الموت"،معتبرا أن هناك القلة من الأهالي الذي يستوعبون ما حدث لابنتهم ويسترون عليها بدلا من قتلها حفاظا على شرف العائلة.
وأكد على أن الشرطة ليست معنية بالكشف عن الفتيات خارج دائرة الطب الشرعي،موضحا بأنه يمكن حدوث تلاعب من قبل بعض الأطباء لإثبات بان الوفاة طبيعية.
وقد حصلت "الرسالة" على إحصائية بعدد الحالات التي تم فحصهن عن طريق دائرة الطب الشرعي خلال العام المنصرف من بينهن حالات اغتصاب وقتل بلغ عددهن ثمانية عشر حالة منهن أربعة فتيات قتلن وهن عذراوات.
كشاف ضوئي
وعن الحالات التي تأتي إلى المستشفى ذكرت أخصائية نساء وولادة "رفضت ذكر اسمها" بأنه يتم الكشف عن الحالات عبر كشاف ضوئي ،موضحة بان اغلب الحالات التي تأتي لفتيات صغيرات تعرضن للاغتصاب .
أما الفتيات الكبيرات اللواتي قد تعرضن لحالات اغتصاب وجئن عن طريق الشرطة أو ذويهن فأشارت الأخصائية إلى أن الفتاة الضحية تكون خائفة ولا تستجيب بسرعة للكشف عنها بعكس الفتاة التي قامت بفعلتها عن رضاها،لافتة إلى أن الفتاة المغتصبة سواء المقتولة أو التي لازالت على قيد الحياة يكون على جسمها كدمات اثر مقاومتها.
وذكرت الأخصائية مثالا لشابة مقبلة على زواج حضرت مع أخيها للكشف الطبي،حينما أبلغته قبل موعد زفافها بأسابيع قليلة بان ابن الجيران قام بأفعال مشينة معها وهي طفلة، وأنها متخوفة من أن تكون فقدت عذريتها ، وحين تم الكشف تبين بأنها لازالت بكرا.
***تخفيف الحكم
وعن رأي القانون والإجراءات التي تتم في مثل تلك الحالات تحدث المحامي غازي أبو وردة "للرسالة" انه حينما يتم القتل يسلم القاتل نفسه للشرطة أو النيابة،وخلال التحقيق يسأل عن سلوك المغدورة ومن ثم تتأكد النيابة من سلامة أقواله .
وأضاف أبو وردة :" بعد التحقيق يتم فحص المغدورة من قبل الطب الشرعي الذي بناء على تقريره يثبت إذا كانت الفتاة بكرا أم لا ،وفي حالة إثبات التقرير بان الفتاة لازالت بكرا يوجه للقاتل تهمة القتل عن قصد".
وأوضح أبو وردة بان القاضي و المحامي لهما دور في تخفيف الحكم عن القاتل على خلفية جرائم الشرف ،داعيا النيابة القيام بكافة الإجراءات اللازمة حتى لا يترك للمحامي أي منحى لمصلحته والتخفيف عن القاتل.
وأشار إلى أن النيابة تسهو في بعض الأحيان عن طلب تقرير الطب الشرعي لمعرفة ما إذا كانت الفتاة لا زالت تحتفظ بعذريتها أم لا ،مكتفين بمعرفة كيفية القتل خنقا أو طعنا.
وحول العقوبات التي وضعها القانون الفلسطيني للقاتل بناء على خلفية شرف ذكر القانوني أبو وردة بأنها تتراوح مابين ستة شهور إلى سبع سنوات، موضحا بأنه في حال تم إثبات القتل عن قصد ولغير الشرف يأخذ القاتل عقوبة قصوى تصل إلى المؤبد لكن ولي الدم "والد الفتاة"يتنازل بحجة أن ابنته كانت سيئة السلوك وذلك لتخفيف الحكم عن ابنه.
وعن شعور المتهمين لحظة إصدار الحكم من قبل المحكمة لاسيما في حالة براءة الضحية بين أبو وردة بأنهم يشعرون بالندم لما أقدموه عليه حينما يدركون الواقع المرير الذي ينتظرهم من سجن وسمعة سيئة.
نشر الفضيلة
من جانبها أكدت النائب في المجلس التشريعي هدى نعيم بان لا يجوز قتل الضحية سواء ثبتت عذريتها أم لا ، مشيرة إلى أن القضاء لابد أن يقوم بمحاسبة الأطراف وليس أهل الفتاة.
وأوضحت بان المسئولية تقع على القاضي من خلال قراره الذي لا ينفذ على أهل الفتاه ،متسائلة لماذا تحاكم الفتاة وهي الأضعف ولا يحاسب الشاب الطرف الأقوى في الجريمة .
وقالت نعيم:" القضية ليست شابا أو فتاة إنما قضية قيم ومبادئ لابد أن تشترك العديد من المؤسسات بنشرها بين الأسر لحماية بناتها وأبنائها من الرذيلة ".
وأشارت نعيم إلى وجود بعض المواد القانونية تم تعديلها بقانون العقوبات لها علاقة بالزنا والجرائم،موضحة بأنها لو فعلت ستكون ايجابية في تحصين المجتمع ونشر الفضيلة داخله .
وأضافت:"الشرع لا يبيح القتل لولي أمر الفتاة ولا القانون يمنحه الصلاحية، إنما العرف والقاضي يمنحه ذلك من خلال الأحكام المخففة التي يمنحه إياها".
ولفتت نعيم إلى خطورة الانترنت في تشبيك العلاقات المشبوهة والإيقاع ببعض الضحايا،مطالبة وسائل الإعلام في تعزيز ثقافة العفة والطهارة وانه لا يحق للرجل الإقدام على قتل أي من محارمه .
الضحية بريئة
من جهته قال سمير زقوت منسق وحدة البحث الميداني في مركز الميزان لحقوق الإنسان أن هناك الكثير من الجرائم التي ترتكب بحق الأبرياء في فلسطين ، مضيفا: حينما تكون القضية جريمة قتل على خلفية شرف تسهل على المجرم الإفلات من العقاب.
وتابع زقوت :" تعامل القضاة والمحامين مع قتلة النساء بتخفيف العقوبات عنهم يشجع على تكريس الظاهرة بالمجتمع"، لافتا إلى تعرض أية فتاة مشكوك فيها للقتل من قبل ذويها لان القاتل يدرك بان العقاب سيكون مخففا عليه.
وأضاف:"في كثير من الحالات تجعل العائلة أبنائها صغار السن يقتلون الفتاة لضمانهم بان الحكم سيكون مخففا كونه طفلا صغيرا" .
وعن قتل الفتيات التي يثبت الطب الشرعي عذريتهن بعد وفاتهن طالب زقوت القضاء بالتعامل بحزم مع القاتل وإنزال أقصى العقوبات ، لان القتل يكون عن سبق الإصرار والترصد ،معتبرا أن عملية القتل التي تمت ليست كباقي العمليات وذلك لان الضحية بريئة.
حد القذف
وعن رأي الدين أوضح رئيس محكمة الاستئناف الشرعية حسن الجوجو بأنه لابد لولي الدم أو الأخ بالتحري عبر الطرق الشرعية والقانونية لمعالجة الأمر ، معتبرا أن أية فعل يخالف ذلك يعتبر تعديا على الشريعة الإسلامية.
وفيما يتعلق بالأدلة التي تثبت وقوع الحدث أشار الجوجو إلى وجود أدلة قطعية منها إقرار الفتاة بفعلتها ،بالإضافة إلى أربعه شهود كل منهم يشهد لوحده ،موضحا بأنه في حالة شهادة الزور يحكم على الشاهد بحد القذف.
وقال الجوجو:" من يقتل فتاة تحت حجة الحفاظ على شرف العائلة لتمنع من اخذ ميراثها يعتبر جريمة وإفساد بالأرض لابد من تشديد العقوبة عليه،لان الأمر مرفوض ومستنكر في الشريعة الإسلامية".
وتبقى حالات القتل على خلفية شرف العائلة قضية خلافية بين العرف والقانون..فيما تدفع العذارى ثمن جرم لم يرتكبنه.