الشقيقان سعدي وأحمد عاشا أصدقاء ورحلا شهداء

الشقيقان سعدي وأحمد أبو كميل
الشقيقان سعدي وأحمد أبو كميل

الرسالة نت- محمد بلّور

يزور طيف الشهيدين "سعدي وأحمد" والديهما في النهار والليلة أكثر من عشرين  مرة متخطياً عامل الزمان والمكان .

الصبر والجرأة والعزيمة التي تحلى بها السيد "أبو سعدي أو كميل" والد الشهيدين وزوجته عكست إيمانهما بطريق الشهداء والمقاومة .

وكان الشقيقان سعدي 26 سنة وأحمد 23 سنة قد استشهدا برفقة 3 آخرين في فصف طائرات الاحتلال لمنزلهما في قرية المغراقة جنوب غزة في آخر ساعات العدوان الأخير على غزة .

أنجب أبو سعدي ثلاثة أبناء وأربع بنات استشهد اثنان منهما وبقي الثالث بهاء الدين بجانبه يسند ظهره بعد رحيل أحمد وسعدي .

الابن والشهيد

تختلف الحكاية إذا ما كان الأشقاء عاشا حياتهما كأصدقاء منذ الصغر متقاسمين تفاصيل الحياة الأسرية وأعباء المقاومة والصبر على الجهاد .

على غير المعتاد ينتهي الحبّ والصداقة والملازمة بين سعدي وأحمد بالاستشهاد سوياً وامتزاج الدم والأشلاء بمشاعر الأخوة والصداقة .

يدرس الشهيد سعدي في كلية الزراعة في جامعة الأزهر بينما يعد الشهيد أحمد ذو خبرة كبيرة في الحياة العملية ما أهله للإنابة عن والده في كل مهامه وهو موهوب في العمل المقاوم-كما يقول أبو سعدي .

يشبك أبو سعدي أصابعه قبل وصف أبنائه الشهداء بالقول:"لا أبالغ إن قلت إنهم رجال صناديد لديهم جرأة وعزيمة وأحبوا الشهادة والوطن ونذروا أنفسهم للدفاع عن فلسطين".

وكم من مرة راودت أبو سعدي مشاعر اقتراب رحيلهم مقبلين غير مترددين بطريقة مشرّفة وقد تصاحب الشقيقان طوال الوقت- كما يقول .

سعدي الابن البكر وأحمد هو الرابع وقد حظي أحمد بمكانة إسماعيل لإبراهيم كما يصف والده.

عن ذلك يتابع :"لا أعتقد أن هناك أب أحبّ ابنه كما كنت أحبّ أحمد لصفاته ومعاونته لكافة الناس والجيران وبكاه كل من عرفه وشعرت أني فقدت أحبّ ما أملك" .

استشهاد الشقيقين

حين يسأل "أبو سعدي عن حادثة الاستشهاد يرفع حاجبيه مندهشاً ويقول: "لم أتوقع أن تصل البربرية بالاحتلال لهذا الحد وقد كنت أرى الشهادة في عيون أبنائي وكل المعطيات تقول أنهم شهداء" .

امضا الشقيقان آخر ليلة قبل استشهادهما مرابطين سوياً وعاشا أيام العدوان حتى استشهدا برفقة 3 شهداء آخرين من خيرة أبناء قرية المغراقة .

قبيل الصلاة على الشهداء في مسجد الإيمان ألقى أبو سعدي كلمة اعتبر فيها الخمسة بأنهم أبناءه مبدياً استعداده للوفاء بكل ما عليهم من حقوق لأصحابها .

عن ذلك يضيف :"هم ومن سبقهم أبنائي وشهداء المسجد كلهم أبنائي فانا إمام وخطيب المسجد وهناك حبّ مميز لهم بدءً من أخي الشهيد أبو بلال الغول وبقية إخوانه" .

منذ سنوات وأحمد يتولى زمام الأمور والقيام بمهمات أبيه وقد كان يرفض صرف الأموال على نفسه وينفقها لإعانة الآخرين حيث كان دائماً في طاعة والديه وكل من احتاجه .

لم يقدر الله أن يصاحب أبو سعدي أبنائه في آخر أيامهم فجاءه النبأ باستهدافهم على عجل وقد فهم أنهم قضوا شهداء منذ اللحظة الأولى لقصف منزله .

الكرامة

حافظ على رباطة جأشه وشكر وحمد منذ اللحظة الأولى لاستشهادهما وقد كرر كثيراً على سمع من رآه وصافحه منذ اليوم الأول "لهذا زرعنا وربينا.." .

ترك الشهيدان فراغاً كبيرا على مستوى الأسرة والعائلة لن يعوض-كما يقول والدهم, أما على مستوى الواجب الوطني فقد قضوا أثناء تأدية ما عليهم.

إذا ما منح "أبو سعدي" نفسه لحظات لاسترجاع شريط الذاكرة يرى أنه عاش منذ صغره عيشة الملوك ولم يشعر يوماً بنقص شيء من متاع الدنيا -كما يقول .

اختار الله لأبي سعدي أن يحيى حياة السعداء و يصطفي منه المال والبنون وأحبّ ما يملك وكلما تذكر ذلك عاد ليكرر "نحن زرعنا وربينا لهذا.." .

يعتبر أبو سعدي ما وقع من عدوان بأنه جولة وأن الصراع لن ينتهي حتى يأخذ الفلسطيني حقه كاملاً حيث بدأت مسيرة الشهداء منذ تاريخ تضحية الصحابة الكرام مروراً بشهداء اليوم.

عن ذلك يضيف :"لن نتراجع فنحن أصحاب قضية ومقدسات مدنّسة ولاجئين مشتتين ولن يحشرنا العدو في الزاوية وهذه المسيرة مستمرة وستجد لها الرجال حتى يكملوا الطريق.." .

عائلة أبو كميل

آخر حلقات التضحية في العائلة كانت من نصيب "سعدي وأحمد" فقد طيّبا بدمائهما سيرة "أبو سعدي" العطرة التي بدأها في العمل الإسلامي قبل سنوات طويلة .

قدمت عائلة أبو كميل وهي من أقدم العائلات التي سكنت المغراقة منذ سنوات طويلة عدداً كبيراً من الشهداء والمصابين خلال السنوات الماضية .

تذوق السيد عبد المعطي أبو كميل حادثة الاستشهاد بمذاق مختلف فرغم أن الطريق مفتوحة أمام التضحية والشهادة إلا أن ما أحزنه فقط فرقتهم من وسط شباب العائلة .

أما السيد أبو محمد أبو كميل فقد جاءت الساعة التي يشارك فيه ابن عمه "أبو سعدي" المصاب والفرقة فقد سبق ابنه الشهيد قبل سنوات في حادثة منفصلة خلال حرب الفرقان.

وعن هذا يقول :"أبناء أبو سعدي هم أبنائي وفراقهم أثّر علينا لكن الشهادة أعظم من كل حديث وحادثة تقع مع الإنسان" .

ولم تنتهي بعد حكاية سعدي واحمد عند هذا الفصل المجمل من الشرح فهناك تفاصيل أخرى ترد على الألسنة وفي المجالس تحملها قلوب كل من عايشهم في الأسرة وخارجها.

البث المباشر