أبو السبح : الطالب المغترب كالطفل يحتاج إلى عناية ودعم
غزة/ أمل حبيب
ظروفهم دفعتهم لترك الأوطان واللجوء إلى بلد عربي .. معظمهم انتقل الى الخليج للحصول على عمل مناسب أو فرصة لا تعوض , فمن أجل لقمة العيش وأمل في حياة أفضل ..اغتربوا .. لم تكن في مخيلتهم أن تمتد الغربة بهم حتى يشتعل الرأس شيبا ، واليوم يعيد التاريخ نفسه ولكن مع أبنائهم الذين لجئوا للدراسة بجامعات القطاع ، بعد أن اكتوى الوافدين في الخارج بنار الرسوم الجامعية وغلاء المعيشة ومستلزمات الحياة الصعبة.
"الرسالة.نت" سلطت الضوء على الطلبة المغتربين في جامعات القطاع ومعرفة مدى تأقلمهم مع حياتهم الجديدة , ومعاناة ذويهم في الخارج .
غربة ولكن ..
"في السنة الدراسية الأولى أحسست بغربة شديدة , كنت أكره الذهاب إلى الجامعة بالرغم من أنني أصررت على دراسة الإعلام في غزة , كنت دائمة البكاء عند سماع صوت أمي على الهاتف أو أخي الصغير وهو يقول لي : "تعالي عنا أمل " بهذه العبارات بدأت أمل حمدان "22 عاما" حديثها للرسالة عن تجربتها الشخصية كطالبة مغتربة , وأضافت :" ولكن تدريجيا وعلى مقاعد الدراسة بالجامعة أحببت غزة , تعلمت الاعتماد على النفس وتحمل المسئولية مع صحبة الأخيار , بدأت أتجاوز المحنة , مستطردة: "تدريجيا وجدت ذاتي في بلدي بعدما رأيت الأم الفلسطينية وهي تضحى بفلذات أكبادها رخيصة في سبيل الله , وبعد ما رأيت الأطفال الصغار يتحدثون بلغة الكبار , علمت كم هي جميلة بلادي وجامعتي(..) والآن أحبها أكثر عندما رزقني الله بزوج وطفلة ملأ حياتي بالحب والحنان فأيقنت بأنها غربة ولكن.. "
لا أحد يفهمني ..
من ناحيتها أعربت الطالبة خولة أسامة من سكان مدينة غزة عن تذمرها في سوء فهم من حولها وقالت :"حتى الآن لم أتأقلم مع الناس في غزة فلا احد يفهمني ، وما يبعث فيَ الصبر أن أهلي سيعودون للاستقرار في القطاع "، مضيفة:" تبقى بلدي وراح أتحمل " .
أما الطالبة بكلية التربية هدى محمود "23عاما" تشعر بالحاجة الشديدة لوجود أهلها إلى جانبها في أوقات الأعياد والمناسبات أكثر من أي وقت آخر ، فيزداد حنينها وشوقها لرؤيتهم .
قالت للرسالة.نت:"بالرغم من محبة أهلي وأقاربي الموجودين في القطاع ومعاملتهم الطيبة لي وحرصهم على توفير جو العائلة، فلا أحد يستطيع أن يحل مكان الأب والأم أو يعوض عنهم."
ولم يقتصر الشوق والحنين والحصار على الطلبة في القطاع بل اكتوى ذويهم بالخارج بنار الشوق والبعد وشاركوهم المعاناة ..."الرسالة" اتصلت ببعض المقيمين في الخارج لمعرفة مدى معاناتهم بسبب بعدهم عن أبنائهم وأحبتهم في القطاع .
الحاج حمدان 53 عاما أحد المقيمين في دولة الإمارات يقول للرسالة :" منذ أربع سنوات لم أرى أبنائي الثلاثة الذين أرسلتهم للدراسة الجامعية بغزة وأضاف:" قبل عامين علقت على معبر رفح لمدة شهر حيث كنت انتظر على أمل بان أشارك ابنتي فرحة عمرها ، ولكن قدر الله وما شاء فعل , وحتى يوم تخرجها من الجامعة لم يكن لي نصيب بان تقر عيناي برؤيتها في ثوب النجاح "، وتابع بنبرة حزن :"أصبحت جدا لثلاثة أطفال ولم أرى أيا منهم بعد ولكن الأمل في الله موجود ".
كلنا في حصار
"الفلسطيني أينما حل فهو محاصر" هكذا بدأت الحاجة أم أحمد إحدى المغتربات في دولة خليجية ما يزيد عن العشرين عاما حديثها للرسالة وتابعت :" ليس فقط أهل القطاع محاصرون فنحن أيضا في الخارج لا نستطيع السفر لغزة ورؤية أبنائنا بسبب إغلاق معبر رفح " , وعبر أسلاك الهاتف بدأ صوتها يتقطع تدريجيا بعد أن سالت دموعها شوقا لأبنائها في القطاع فقالت :" أسال الله أن يحمي أبنائي ويجمعني بهم في القريب العاجل."
وأشارت أم أحمد بأن أصعب المواقف التي مرت عليها هي أيام الحرب على غزة وقلقها الدائم بأن يتعرض أحد أبنائها للأذى , قائلة :" كنت دائمة الاتصال بهم للاطمئنان عليهم وعلى الوضع في غزة ولكن الله سلم".
أثر الغربة
بدوره أوضح د.محمد أبو السبح مدير خدمات الصحة النفسية بوزارة الصحة بغزة بان للغربة تأثير سلبي جدا الذي يؤدي إلى حدوث اضطرابات نفسية والتي تؤثر على التحصيل العلمي, ويجر العديد من المشكلات وخصوصا في الفترة الأولى من الانتقال .
وقال أبو السبح في حديث للرسالة.نت :" من أخطر الأمراض التي يصاب فيها الطالب المغترب هو مرض (ذهان المغتربين) الناتج عن سوء التكيف والتأقلم بسبب الظروف البيئية المختلفة ومن أعراضه أن يشعر الطالب بحدوث مؤامرات خفية تحاك ضده وهلاوس سمعية وغيرها " , وأضاف :" يمكن أن يشعر الطالب المغترب بضياع الهوية وذلك بسبب نشأته نشأة غير فلسطينية واختلاف أساليب التنشئة داخل وخارج البلد الذي ولد فيه ".
ونوه مدير خدمات الصحة النفسية بوزارة الصحة إلى أن معظم الطلبة المغتربين من بيئات خليجية تعرف باستقرارها وأمنها ، وفجأة انتقلوا إلى بيئة تعرف بتوتر أوضاعها وقلة فرص النشاط والترفيه فيها فكل هذا يؤثر سلبيا على نفسيتهم ".
أما عن الأثر الايجابي للغربة قال :" يتوقف ذلك على شخصية الطالب وقدرته على التأقلم في البيئات المختلفة, ففي بعض الحالات تساعد الغربة على صقل الشخصية والنهوض بالمستوى التعليمي لإثبات الذات , إضافة إلى اكتسابه القدرة على تحمل المسؤولية."
لمن يهمه الأمر
وأوضح أبو السبح بأنه من الجميل أن يكون الطلبة شبكة من الأصدقاء داخل وخارج الجامعة ، وكذلك مساعدتهم من قبل الأهل والأقارب ومحاولة تخفيف شعور الغربة والتوتر لديهم, موجها رسالة لأولياء المغتربين مفادها :"عدم إحضار الطالب وحيدا إلى القطاع من دون مرافق وخاصة في الفترة الأولى لأنه سيشعر بالغربة ويتولد لديه الاضطرابات النفسية".
وشبه الطالب المغترب بالطفل الصغير الذي يفتقد والدته عند التحاقه بالروضة ,فيحتاج العناية والدعم من الأهل حتى يستطيع ترسيخ أقدامه في المكان .