أكوام من الملابس البالية في كل زاوية من منزل هشام، لا وجود لشيء يدعى الخصوصية، هُم في غنى عن خزانة تستر ثياب مزقتها مرارة العيش، وذلك ليس بخاطره، ناهيك عن افتقار البيت لأبسط مقوماته.
صبحي –والد هشام- تزوج من فتاة تصغره سناً بعد وفاة زوجته الأولى، كانت سبباً في استغناء الأب عن ابنه مقابل ارضائها، لاسيما بعد أن غلبتها الغيرة من وجود رجل يتحكم بأموال البيت.
عمل هشام جاهداً على تسوية الخلاف مع أبيه وزوجته علّه يرضيه من جهة، وينال نصيباً طيباً من جهة أخرى، فأرسل لجنة إصلاح إلى والده لمعرفة سبب الطرد، فكانت اجابته: "هاد الشخص سبب سعدي، لكن ما بدي أعطيه شيء من أملاكي".
تبدأ رحلة البحث في سراديب ذاكرة هشام "طردني والدي من البيت إلى حظيرة دجاج، سكنت فيها مع أولادي، بصحبة الفئران التي كانت تشاركنا العيش". وماذا فعلت؟، فأجاب "اضطر أبنائي إلى ترك مدارسهم، لنعيش كالبشر".
ترك اثنان من أطفال هشام المدارس، وبدأوا يذوقون قسوة العمل التي جرّحت نعومة أظفارهم، يخرجون مع طلوع الشمس ويعودون بغروبها؛ ليجمعوا شيئاً من المال اللازم للطعام والشراب ودفع إيجار البيت.
شبّك يديه على مقلتيه، وحدّق في الأرض "أخرُج كل يوم من البيت، ولا أملك شيقلاً واحداً(..) نشم رائحة طعام الجيران ولا نستطيع تناوله، ومع ذلك نصبّر أنفسنا وكأننا نشاركهم الاكل على الرائحة، ونضطر أحياناً للنوم دون طعام".
"تعبت وأريد الرحيل"، كلمات رددتها زوجة هشام، بعدما وضعت طفلتها الأخيرة، التي لم يتجاوز عمرها اليوم الواحد؛ بحجة اشتداد ريح الفقر، وعجز زوجها عن تلبية حقوقها الزوجية.
يعيش هشام برفقة ستة من أبنائه، نصفهم فتيات، بعد أن تركتهم والدتهم في بيت استأجروه بمبلغ يزيد عن مائة دولار خلال الشهر الواحد.
تقدم والد هشام بشكوى ضد ابنه، فسُجن مدة خمسين يوماً، الأمر الذي فتح الطريق أمام أولاده للانضمام إلى صفوف معهد الأمل للأيتام وسط مدينة غزة.
يتحدث وغصة البكاء في حلقه "خلال فترة اعتقالي، وُضِع أطفالي بمعهد للأيتام، صعبت علي نفسي أن أكون يتيماً بالنسبة لهم، لكنني شعرت بالطمأنينة عليهم؛ لأنهم يأكلون طعاماً جيداً على الأقل".
يغيب هشام دقائق معدودة، يحضر كومة من التقارير الطبية، المؤكِدة إصابته بمرض مزمن، يفرض عليه الاقامة الجبرية.
ويعاني هشام من وجود خلل في تنظيم نبضات القلب، ما يجعله بحاجة لجهاز (بيس ميكر) يوضع بعد إجراء عملية جراحية؛ لتنظيم نبضاته بالشكل الصحيح، ويحتاج لتجديد بطاريته كل ثلاث سنوات.
تترغرغ الدموع في عيني هشام، ويجهش في البكاء قائلاً: "انتهت فترة البطارية الخاصة بقلبي، ويجب شحنها حتى أبقى على قيد الحياة، فإن توفاني الله ماذا سيحل بأبنائي بعدي؟".