قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: الهروب إلى السماء

أ. وسام عفيفة
أ. وسام عفيفة

بقلم/ وسام عفيفة

كان يعدو بسرعة ويلتفت خلفه بين الفينة والأخرى كأن وحشاً يطارده، وما أن لمحني وأنا أختبئ خلف حاوية القمامة حتى قفز إلى جانبي، ثم راح يلهث بقوة وقد تدلى لسانه وأخفى ذيله بين قدميه.

 للوهلة الأولى كدت أشفق عليه أكثر مما أشفق على نفسي من شدة الرعب الذي ينتابه وسألته:

- ممن تهرب؟ ولماذا تختبئ خلف هذه الحاوية؟

- الكلب: أهرب لنفس السبب الذي جعلك تختبئ أنت أيضا خلفها.

- لكني مواطن عربي، يطاردني العسكر والبلطجية والشبيحة والزعران، فماذا عنك؟

- الكلب: ألا ترى الرصاص يتطاير في كل مكان والقذائف تتساقط كالثلج الأبيض تغطي الأرض بنيرانها، والغاز المسيل للدموع والمثير للأعصاب يملأ المنطقة، لا يفرق بين حيوان أو بشر.

- يحاول الكلب مواصلة الهروب لدى اقتراب الرصاص والقذائف.

- أنصحك ألا تتحرك. هذا المكان أكثر أمنا، ومن هنا يمكننا مراقبة الأحداث عن كثب.

- الكلب: أنت مجنون.. يكفي أنكم خدعتموني وقلتم أن بلادكم أصبحت بعد الربيع العربي تحترم حقوق الإنسان، وانتقلت هنا على أمل أن أعيش لاحقا في كنف الرفق بالحيوان، لكني اليوم لا استطيع تحمل الحياة هنا، الموت يلاحقني في كل مكان، وشراسة البشر فاقت كل تصور وخيال.

- يبدو أن الربيع انتهى مبكرا.. صديقي الثائر كان يقول قبل أن يقتلوه إن هناك ضريبة للحرية، وإن الثورة لن تسقط، ويجب أن نتعلم من التجارب حتى ننتصر.

- الكلب: أنصحك أن تتعلم الجري فقط، لأن البقاء للأسرع، ولمن يطلق لقدميه العنان ويستطيع أن يختفي عن الأنظار.

- أنت كلب جبان، تحاول إحباطي، أنا لست خائفاً مثلك، ولكني أتجنبهم كي لا يعتقلوني بتهمة مصادقة ثائر.

- الكلب: ألا ترى بنفسك وأنت بالكاد تستطيع أن ترفع رأسك من خلف هذه القمامة، أخرج وارفع يديك وسترى ما يحل بك، لن يقبلوا منك حتى الاستسلام، لقد طاردوني لمجرد كنت متواجدا في أحد ميادين الثورة، وسمعتهم يصدرون الأوامر بالقبض علي أو قتلي، بحجة مساعدتي للثوار.

- وماذا كنت تفعل في ميدان الثورة؟

- الكلب: ماذا تتوقع من كلب مثلي أن يفعل، كنت أبحث عن رزقي، من خيرات الثوار، لكن فجأة كل شيء تحول للون الأحمر، والدماء غطت أرض الميدان.

- في أي ميدان ثورة كنت.

- الكلب: كل ميادين الثورة متشابهة، لا أستطيع أن أفرق بينها نفس الهتاف ونفس الشعارات.. وأنت من أي عسكر هارب؟

- العسكر والقتلة متشابهون أيضا، لا أستطيع أن أفرق بينهم لا من لباسهم ولا سلاحهم ولا حتى لهجتهم، فهم يلقون نفس الخطابات، ووجوههم عليها نفس الدماء.

- الكلب: يجب أن نفكر في مكان نهرب إليه لم يعد بالإمكان الانتظار هنا أكثر

- لنهرب إلى المسجد

- الكلب: إياك.. لقد رأيت رجال دين يخرجون من الدبابات بعمائمهم يلقون فتاوى الدم، ثم يأمرون الجنود بإطلاق النار على المعتصمين.

- نهرب إلى المستشفى

- الكلب: لا تحاول.. حولوها إلى مراكز تحقيق

- إلى الكنائس

- الكلب: سوف يصلبوك فيها

- إلى الغابة

- الكلب: جندوا أشجارها لكي تشي بك.

- إلى البحر

- الكلب: سرقوا زرقته، وأصبح يخشى البشر

- إذا أفضل مكان .. لنهرب إلى المقابر

- الكلب: لا يمكنك، لقد رأيتهم ينبشونها ويخرجون الثوار الشهداء من قبورهم ويعلقون لهم المشانق عقابا لهم على ما اقترفوه.

- وماذا بقي لنا.. أين سنهرب؟

- الكلب ينظر إلى أعلى: ليس لك مكان إلا أن تهرب الى السماء.

البث المباشر