تطرقت إلى الشأن المصري في كثير من مقالاتي، ولكنى لم أعطِ لهذا الأمر حقّه ولذلك تعالوا نناقش الشأن المصري عن كثب وننظر اليه من زاوية مختلفة.
وبعيدا عن كل قيادات المجلس العسكرى الذين غرقوا اليوم في وحل "الانقلاب" وتلطخت أياديهم بدماء مدنيين عزّل في أكثر من مجزرة .
تعالو نسأل سؤالا مشروعاً .. من الذي دبّر "الانقلاب العسكري" ومن الذي أراد له أن يرتدى ثوب الثورة؟
والإجابة على هذ السؤال لاتأتى إلا بسؤال أخر.. من المستفيد الأكبر من الانقلاب العسكري?
جنرالات مبارك هم أنفسهم من انقلب على النظام الوليد، وهم من أخرجو مبارك لأنهم لم يتفقوا مع الإخوان المسلمين على صيغة للتفاهم؛ فالإخوان أرادو أن تكون المميزات والهيبة للجيش المصري، وأراد الجنرالات الهيبه للمجلس العسكري والفرق واضح .
والجيش يملك امبراطورية اقتصادية كانت تحتمى في الرئاسه التى حجبتها عن أعين الجميع لعقود متوالية وخسارة العسكر لمؤسسة الرئاسة سيجعل الباب أمام الاخوان مفتوحا لرؤية كنز اقتصادي لو أنتزع تدريجيا من الجيش سيساعد الإخوان على الأقل في تنفيذ مشروعهم الاقتصادى دون التعرّض لأزمات يعاني منها المصريون.
فكرة "الانقلاب العسكرى" مطروحة على مائدة العسكر من قبل أن يلقي "عمر سليمان" خطاب تخلّي مبارك عن السلطة .. ولكن هل سنسير في التنفيذ ام ننتظر ونرى ؟!
وللاسف الشديد لم ينتظر العسكر كثيرا وما تركوا السلطة إلا لينتزعوها مرة أخرى.
ودعنا من مسلسل الأزمات المفتعلة التى لايوجد أى شك في أنها مفتعلة، واشتركت فيها منظمات ولوبي مبارك وخليجيون وكثيرون .
في البحث عن الدور الأمريكى نجد انّ هذا الانقلاب لم يكن ليحدث دون موافقة "البيت الابيض" [1] لأن الخلافات بين مرسي وأوباما أثبتت لأميركا أن مصر لم تعد منطقة نفوذ أمريكى أوعلى الأقل كما كانت في عهد مبارك؛ فقد كان مبارك يتبع أسلوب السياسة الناعمة مع الغرب، وتعودوا منه على تلبية أى مطلب بمن فيها التى تضر بالأمن القومي المصري.
أما مرسي والذي لا ينتمى للمؤسسة العسكرية فلم يوافق على الجملة التى عرضت عليه ليقولها اثناء المؤتمر الذي كان سيعقد بينه وبين أوباما اثناء زيارته لأمريكا وهي "وستعمل مصر وأمريكا على إيجاد حلول لكى ينعم الشعبان الفلسطيني والإسرائيلى بالمن الدائم والسلام الشامل" والهدف من الجملة هو الضغط على مرسي فقط لذكر كلمة إسرائيل والتلفظ بها ولو مرة واحدة لتكون اعترافا منه بدولة إسرائيل وهو الذي ذكرهم بالقردة والخنازير في عهد مبارك، وهنا توترت العلاقات في السر وبدأ كل طرف البحث عن حلول.
اتجه مرسي إلى الصين وروسيا والهند وباكستان والبرازيل وألمانيا وفرنسا وبريطانيا بل إيران، وبدأت الاتفاقيات العسكرية مع الهند والاتفاقيات النووية مع روسيا والصناعية مع البرازيل والصين والزراعية مع السودان؛ وتقديم عروض زراعية اخري لكثير من الدول الأفريقية، وأدركت أميركا أن سبل الضغط على مصر ستتلاشى تدريجيا إن لم تـزح الإخوان عن الحكم دون سقوط الدولة واتخذت هذا الطريق.
ويكفي ان يقول وزير خارجية أمريكا لنظيره الخليجى إن الاخوان خطر عليكم كعائلة مالكة ليعلن الخليج عداءه لمصر سراً وعلنا؛ وهذ ايضا ما حدث، والجنرالات في كل الاحوال كانو لا يفضلون السير في ركاب الإخوان.
و نفهم من كل هذا أن اطرافاً عدّه اجتمعت نواياها وتوحدت أهدافها حول ضرورة إزاحة الإخوان، ونفهم أيضا ان الجميع يبحثون عن مصالحهم لا عن مصلحة مصر.
أما الإخوان فسابقو الزمن من أجل فرض أمر واقع لايمكن الانقلاب في ظله، ولكن سبقتهم أدوات الشر ..
وفي النهاية، لم يخسر الإخوان ومن معهم كلَّ شئ، ولم يكسب الانقلابيون بعد أى شئ .. هذا هو الواقع لازال الإسلاميون قادرون على الحشد بأعداد كبيرة، وفي أماكن تغطّى مصر، والعالم يرى ما يحدث لا ما يفرضه الانقلابيون على مؤيديهم كأمر واقع ... لقد امسكت امريكا العصا من المنتصف ولا زالت
والسؤال الاخير هل من الممكن أن يعود مرسي ؟؟
لن يصمد الانقلاب امام عزلة دولية، ولا أمام أزمة اقتصادية ولو بالف كذبة إعلامية.. والمهم هنا .. هل سيصمد الإسلاميون على حشودهم ومطالبهم ؟؟
هنا فقط يمكن ان نقول إن عودة مرسي ليست أمرا مستبعدا، ولكن ذلك لن يحدث بدون صفقة ولا أقول مبادرة فخلف كل مبادرة صفقة ونتمنى ذلك فمزيد من الدماء سيزيد الوضع تعقيدا لا محالة .