في قضية المبحوح..تصريحات بطعم الشوكلاتة

اغتيال محمود المبحوح
اغتيال محمود المبحوح

زيداني:لن يمارس الموساد الاغتيال مستقبلا بصورة واسعة

قاسم:عدد العملاء الكبير خطأ تقني في عملية غير مهنية

شرقاوي:الثغرة الأمنية كانت متابعة المبحوح والوصول للفندق

غزة-محمد بلّور

كل ما أفهمه أننا فقدنا الرجل وأن التصريحات الأوروبية الأخيرة تحلت بربطات عنق لتقول لنا أنها رسمية ومهمة .

لا تنسوا أن الدول الأوروبية تتفق منذ زمن مع "إسرائيل" على برنامج يدعى "مكافحة الإرهاب" حماس واحدة من أبطاله.

وليس من العبث اجتماع جوازات السفر تلك في طبق  لا يقدم إلا على طاولة الموساد فالجدل الدبلوماسي رغم تصاعده ينحصر في "الصفحة الأخيرة من البروتوكول الدبلوماسي" محدود التصعيد .

واشتعلت حادثة اغتيال المبحوح في وسائل الإعلام طوال شهر فيما بدأت التسريبات اليومية تفصح عن مسئولية "إسرائيل" الواضحة .

ونفذ الاحتلال الصهيوني عملية الاغتيال مرتكبة أخطاء سجلتها الكاميرات كشفت تحركات عملائها الذين بدوا مصرين على اغتيال المبحوح .

اختيار الشخصية

وستشرع كرة الثلج في الذوبان قريبا , لأن الأخبار تعاطت بشكل كبير مع اغتيال المبحوح بينما غالبية الأطراف الدولية والعربية لا يسعدها تجديد طرح الحادثة. 

ورغم سخونة المسألة وتعدد التصريحات والمواقف إلا أن اعتبار المجتمع الدولي لحركة حماس كحركة إرهابية يضع سقفا واضحا للتصعيد تجاه إسرائيل .

وستحتاج نشرات الأخبار عما قريب إلى عقارات منشطة للتعامل مع المسألة التي ستبقى تحتل مكانة هامة للفلسطينيين والأحرار أكثر من غيرهم.

وتتهم "إسرائيل" الشهيد المبحوح بالوقوف خلف إمداد المقاومة بالأسلحة من خارج غزة وهي ذريعة اتخذها الموساد لممارسة القتل على أرض "دبي" .

واعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس سعيد زيداني أن حكومة الاحتلال اجتهدت في تصفية المبحوح للعبه دورا ناجحا وفعّالا في إيصال الأسلحة لغزة.

وأكد المحلل السياسي عبد الستار قاسم أن المخابرات الإسرائيلية اتخذت قرارا باغتيال شخصية مركزية هامة في حركة حماس دون شرح مزيد عن دور المبحوح المقاوم.

أما المحلل العسكري العميد متقاعد يوسف شرقاوي فقال إن الأبعاد العسكرية والأمنية للأمر تفسر على أن الهدف من حادثة المبحوح كان اغتيال شخصية ريادية مقاومة تخصصت في العمل والدعم اللوجستي للمقاومة .

ومثّل الشهيد المبحوح هدفا للمخابرات الإسرائيلية عبر عشرين عاما فصلت بين انطلاقة نشاطه المقاوم مع حادثتي اختطاف جنديين إسرائيليين إلى أن واصل عمله خارج فلسطين متنقلا بين دولة وأخرى.

حتى حماس لم تفضل كشف مزيد من سجل المبحوح فاعتباراتها الأمنية تجبرها على الاكتفاء بالقليل خشية منح "إسرائيل" مزيدا من المعلومات التي قد تربط بينها وبين سابقاتها .

ونقلت كاميرات الفندق المستهدف صورا لعملاء الموساد يكثرون التحرك قبيل تنفيذ الاغتيال مضحين بتلك المسألة مقابل إتمام مهمتهم .

تصريحات بطعم الشوكولاتة

وظهرت التصريحات الأوروبية الأخيرة تماما "كقطعة شوكولاتة" فظاهريا شكلها قاتم ومتعاطف مع الفلسطينيين وحقيقيا طعمها حلو لإسرائيل التي تغمز بعينها اليسرى من بعيد وكأنها تقول "نفهم جيدا موقفكم" .

وحتى نكون واقعيين فإن المجتمع الدولي قال " لعم " لاغتيال المبحوح صحيح أن استخدام جوازات سفر أوروبية غير مسموح به قانونا ويتبعه احتجاجات دبلوماسية ولكن لماذا استبعاد وجود اتفاق مسبق مع بعض الدول أو حتى تفهم لموقف "إسرائيل" المشين.

وتقول شرطة دبي إن 11 شخصا يحملون جوازات سفر بريطانية وايرلندية وفرنسية وألمانية ضالعين في عملية الاغتيال.

وأكد زيداني أن الإسرائيليين يحاولون تسويق أن المبحوح "إرهابي"على اللائحة وذلك بالطبع مقبول سلفا لدول تعاقدت على نبذ المقاومة واصفة إياها بالإرهاب .

المحرج هو استخدام جوازات السفر كممارسة غير محترمة لسيادة تلك الدول وانتحال بعض الشخصيات وهو أمر قد يثير الرأي العام أكثر من إثارة مواقف حكومات الدول التي ترد بدبلوماسية عبر سفاراتها.

وأشد ما قيل هو تحذير على لسان دبلوماسي أوروبي رفض الكشف عن اسمه من أن علاقات الاتحاد الأوروبي مع "إسرائيل" مهددة, مضيفا: "ستضر بتعامل دول الاتحاد الأوروبي مع إسرائيل".

وأكدت مصادر إماراتية أن وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور محمد قرقاش استدعى سفراء دول الاتحاد الأوروبي المعتمدين في أبو ظبي لإطلاعهم على تطورات التحقيق طالبا منهم إبلاغ بلدانهم بضرورة التعاون ودعم التحقيقات .

وتوقع العميد شرقاوي أن الخارجية البريطانية على علم مسبق بالجريمة مشيرا إلى وجود تنسيق مسبق بين بعض أجهزة المخابرات لتصفية قيادات مقاومة ما يضع احتمالا أن بعض الجوازات ليست مزورة وهو رأي رجحه أيضا الصحفي البريطاني المتقصي "روبرت فيسك" .

أما حماس فانتقدت على لسان الناطق باسمها سامي أبو زهري تجاهل التقرير الدولي الشهري حول الوضع في الشرق الأوسط الذي يقدمه "لين باسكوا" وكيل الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن لجريمة اغتيال الشهيد محمود المبحوح وتورط الموساد في هذه الجريمة, هو دليل على التستر الدولي على الإرهاب الإسرائيلي .

نمط الاغتيال

والآن هل نبتلع الخنجر صامتين! أم نتحدث عن العملية التي أودت بالرجل لما لها من أبعاد وتفسير مهم فالمعلومات كشفت عن محاولة إسرائيل اغتيال المبحوح أكثر من مرة نجا فيها ما يؤكد أن "الموساد" اعتبره "صيداً ثميناً" ما أجبر الموساد على الوقوع في أخطاء مقابل إنهاء ملف المبحوح .

ورأى المحلل قاسم أن مشاركة عدد كبير من عملاء الموساد يعد خطأ تقني عرّض فيه العملاء للانكشاف, مضيفا:"كانت عملية غير مهنية وقد سبق أن اغتيل فلسطينيون في فنادق وهي أماكن غير آمنة فالمبيت في الشارع أكثر أمانا ! وقد اغتالوا في الفنادق قديما ماجد أبو شرار وزهير محسن وفتحي الشقاقي وآخرين, لذا لا بد من الحذر في التعامل مع الفنادق" .

أما شرقاوي فرجح وجود تنسيق بين الموساد ومخابرات دول قريبة, مضيفا:"إن صح ذلك فستكون عملية فردان رقم 2 وهي تكرار لعملية اغتيال كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار يومها المخابرات استأجرت سيارات واستخدمت اوتيلات وانطلقت بأربع مجموعات" .

وفسّر شرقاوي استخدام الموساد لعدد كبير من العملاء أن لديهم معلومات أن جزءا من قيادة حماس ستنزل في الفندق المستهدف أو فنادق مجاورة منوّها أن نمط العملية نمط قديم بينما أنكرت إسرائيل مسئوليتها بشكل مباشر .

وأكد أن المقاومة ترتكب أخطاء فادحة بالحجز عبر الانترنت, مضيفا:"المفروض تغيير المواقع وسد الثغرات الأمنية قدر الإمكان وقد كانت الثغرة هنا أن المبحوح لم يتمكن من إدراك أنه متابع" .

وأشار أن عامل المتابعة يعتبر 90% من عوامل نجاح في كل حادثة اغتيال وأن فشل المتابعة يفشل بشكل كبير نجاح الاغتيال, مضيفا:"لن تجد إسرائيل حرجا بفعلتها فهي تعتبر نفسها جزء من مكافحة الإرهاب الذي تحاربه أوروبا وذلك ما دفعها لاستخدام التصفية الجسدية ".

وتوقع شرقاوي تكرار عمليات الاغتيال إن تسنى للموساد النيل من شخصيات مهمة مثل المبحوح, مدللة بذلك عدم احترامها لسيادة النظام العربي .

أجواء الانتقام

وظهرت حماس في تعقيبها على الاغتيال كمن خلع قبعته احتراما لرحيل رجل هام لا يعرف دوره الكثيرون وقد هددت بالرد والانتقام لدماء المبحوح .

وعلّق أستاذ العلوم السياسية سعيد زيداني على تهديدات حماس بالقول:"طبيعي أن تتوعد بالرد وهذا يذكرنا بالتهديد عقب اغتيال عماد مغنية فحزب الله يومها هدد أيضا ولكن الأيام المقبلة وحدها من تتحدث عن الانتقام" .

ورأى المحلل عبد الستار قاسم أن إمكانية انتقام حماس للمبحوح ليس بالأمر السهل مضيفا:"الأمر ليس سهلا إلا إذا استهدفوا إسرائيليين مثلا في مصر أو الأردن وقطر ودبي لكن ذلك قد يدخلها في مشكلة مع تلك الدول".

وأكد المحلل العسكري يوسف شرقاوي أن انتقام حماس هدفه الرد بمستوى خسارتها مضيفا:"أسميه أنا القصاص وعملية القصاص للمقاومة ليست كبسة زر مردها الرغبة بل هناك معادلات كثيرة في الاعتبار" .

وتوقع مراقبون للمشهد السياسي الفلسطيني والإسرائيلي أن عمليات اغتيال مشابهة مرشحة للوقوع ولكن في أجواء تحاول فيها إسرائيل تجنب الإحراج الدولي والجدل الإعلامي بل تفضل ذلك النوع من العمليات الموضعية.

 

البث المباشر