للأعياد في الإسلام منزلة كريمة, وأهمية عظيمة.. إنها تمثل فواصل زمنية بين العبادات, وتعمل علي تصفية القلوب, ونقاء الضمائر, وانتشار الألفة والمحبة بين الناس.
وتتجلي إشراقاتها علي المجتمع الإسلامي فإذا بهم يزدادون حبا ومودة, ويتم التواصي بينهم وبين أرحامهم, ويألفون ويؤلفون.
وارتبطت الأعياد في الإسلام بالعبادات, فعيد الفطر يأتي عقب فريضة الصيام, وعيد الأضحي يأتي مع عبادة الحج إلي بيت الله الحرام, فيكبر الناس ربهم علي ما هداهم إليه من عبادات وطاعات.
وعندما جاء الرسول صلي الله عليه وسلم المدينة ووجدهم يلعبون في يومين فسألهم فقالوا: يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية, فقال: إن الله تعالي أبدلكم بهما يومين خيرا منهما: يوم الفطر, ويوم الأضحي.
وشرع الإسلام صلاة العيد وجعل في كل عيد عطاء من الأخ لأخيه, وأهله وذويه, ففي عيد الفطر يقدم زكاة الفطر للمحتاجين طهرة للصائم من الغلو والرفث, وطعمة للمساكين, وفي عيد الأضحي يذبح من كان قادرا أضحيته ويبعث بها إلي الأهل والفقراء والمحتاجين, وهذه الأضحية يغفر الله تعالي ذنوب صاحبها عند أول قطرة من دمائها.
وكانت الأضحية سنة مؤكدة, تحيي ذكري فداء إسماعيل, حين رأي إبراهيم في المنام أنه يذبحه, وقال لابنه: فانظر ماذا تري؟ فأجابه قائلا: يا أبتي افعل ما تؤمر, فلما أسلما وتله للجبين, أي ألقاه علي جبينه حتي لا ينظر إليه فتتأثر العاطفة, ناداه ربه: يا إبراهيم قد صدقت الرءيا, إنا كذلك نجزي المحسنين, ان هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم, فكانت الأضحية سنة مؤكدة, وكانت إحياء لتلك الذكري, وفي الوقت نفسه إطعاما للأهل والمحتاجين, وتوسعة علي الأهل, وعلي العباد.
ويأتي عيد الأضحي عاشر يوم من أيام ذي الحجة, وهو شهر من الأشهر الحرم التي يحرم فيها القتال, وجعل الإسلام للأيام العشرة الأولي من شهر ذي الحجة مكانة عظيمة, وضاعف فيها ثواب العبادات, فلا يوجد عمل في أيام أخري أفضل من هذه العشرة, لدرجة أن بعض المسلمين لما سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم قائلا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلا خرج بنفسه وماله فلم يرجع بشيء من ذلك.
وهي الأيام التي أقسم بها رب العزة سبحانه وتعالي لعظمتها ومكانتها حيث قال الله تعالي: والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر هل في ذلك قسم لذي حجر. وهذه الأيام العشرة يتفق فيها عامة المسلمين مع ضيوف الرحمن الذين يؤدون فريضة الحج, ونلاحظ التوافق والتوازن بين عبادات الحجاج وعبادات غيرهم, إن الحجاج يقفون علي عرفات وليس لهم أن يصوموا, ليتفرغوا للذكر والتلبية والدعاء, بينما غيرهم من القادرين المقيمين في أوطانهم يصومون يوم عرفة, وهو في حقهم سنة, ولصيامه فضل كبير حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: صيام يوم عرفة أحتسب علي الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده.ويوم عرفة هو اليوم الذي يتجلي فيه رب العزة سبحانه وتعالي برحماته, ويباهي بأهل الأرض أهل السماء, ويقول لملائكته: انظروا إلي عبادي جاءوني شعثا غبرا ضاحين من كل فج عميق يرجون رحمتي, ويخافون عذابي, أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم. وإذا كان ضيوف الرحمن يذبحون هديهم, فإن إخوانهم في بلادهم يذبحون أضحيتهم, وإذا كان الحجاج يلبون, فإخوانهم في بلادهم يكبرون.
إنها أيام طاعة وعبادة وذكر, وتآلف وتعاطف بين جميع المسلمين.. من كانوا يؤدون فريضة الحج, ومن كانوا في أوطانهم, وحيث إن الأيام العشرة أيام عبادة وطاعة, وفيها من العطاء المتبادل بين المسلمين ما فيها, كما أن فيها من الألفة والمودة والتعاطف ما فيها, مما يستوجب علي كل الموحدين أن يقدروا عظمة هذه الأيام, وما فيها من حرمة ومنزلة, ومن مودة ووفاق, فتكون الأيام الكريمة دعوة حق ونداء صدق, أن يثوب الجميع إلي رشدهم, وأن يتوبوا إلي ربهم, وأن يكونوا متحدين كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.