قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: بانوراما فلسطينية

أ. وسام عفيفة
أ. وسام عفيفة

بقلم/ أ. وسام عفيفة

رغم أن أمثالنا الشعبية تمجد التاريخ والماضي ومنها على سبيل المثال: "اللي ماله قديم ماله جديد" إلا أن تاريخ كفاحنا الفلسطيني يكاد يندثر تحت أنقاض الأعوام والأحداث المتلاحقة.

في معظم بلدان العالم، حتى الفقيرة منها، يهتمون بتجسيد أمجاد الماضي، لكي تبقى منارة للأجيال القادمة بينما نعيش نحن الفلسطينيين أمجادا ونكبات ونكسات، وهزائم وانتصارات، وطلعات ونزلات، وبالكاد نجد أثراً أو علامة يمكن لأطفال رحلة مدرسية أن يزوروها كي يبكوا على أطلال الماضي أو يهتفوا لها، ولكي يرفعوا رؤوسهم عاليا في المستقبل.

لدينا نحن الفلسطينيين أعظم قضية، وأقسى تجربة للحركة الأسيرة عبر التاريخ المعاصر، وارتكبت بحقنا أشرس المجازر، نحن لاجئين ونازحين، ومشردين ومطاردين، خضنا معارك بطولية ناطح فيها الكف المخرز، فجرنا إضرابات وثورات وأشعلنا انتفاضات، حاربنا بالحجر والحناجر والسكين، صنعنا سلاحنا بأيدينا، وحفرنا الأنفاق، وتحدينا حصارات، وأمام كل هذه المآسي والأمجاد والبطولات، لم ننشئ متحفا، أو نجسد صورا دائمة، يطلع عليها كل من يزورنا فيعيش تجربتنا بريشة رسام وأيد تشكيلية وصنعة مهندسين وابداع فنانين، بدل الخطب المملة وجولات التسول، ومحاضرات تروي التاريخ والتجربة بلا روح.

في تركيا على سبيل المثال هناك معرض وشبه متحف، شيدته الحكومة التركية وذلك للعودة بالتاريخ إلى عام 857 هـ الموافق 1453 م، عندما فتح المسلمون القسطنطينية (اسطنبول الآن) في معركة شهيرة خالدة في التاريخ الاسلامي قادها السلطان محمد الفاتح.

هناك ستتمكن من مشاهدة تلك المعركة التاريخية بشكل رائع و مثير، حيث تم صهر خبرة الكثير من المهندسين والفنانين وذلك بإدخال التكنولوجيا الحديثة والمتطورة وإضافة الكثير من عوامل الإثارة كالصور الثلاثية الأبعاد والمؤثرات الصوتية و الحركية، لتعيش تماما لحظة الفتح العظيم بكل حواسك ومشاعرك.

تتكون البانوراما من قبة عرض المعركة ومجموعة من وسائل الشرح الحديثة كالشاشات التلفزيونية والسينمائية، وأمام كل جزء من الرسم توجد أسلحة وأدوات من التي استخدمت بالفعل في المعركة ومن أبرزها المدفع العملاق الذي طوره واستخدمه المسلمون لفتح المدينة، بالإضافة إلى أجزاء متبقية من أبراج الاقتحام والأسلحة الشخصية لجنود المعركة.

حتى عدونا (الإسرائيلي) اجتهد بعد تأسيس كيانه في اختلاق الهوية والتاريخ فأنشأ متحفا في عام 1965 ليكون المتحف الوطني لدولة (إسرائيل) كما أنشأ مؤسسة (ياد فاشيم) عام 1953 كمركز عالمي توثيقي وبحثي وتعليمي لتخليد ذكرى الهولوكوست، فأصبحت ملتقىً دوليا للأجيال، حيث يأتي كل عام مئات الألوف من الزوار من جميع أصقاع الأرض والمنتسبين إلى كافة الطبقات والديانات والمعتقدات لزيارة مجمّع "ياد فاشيم".

آن الاوان أن نتوقف عن التفكير في بطوننا فقط، واقتصار الأمر على تقديم مشاريع غذائية، وإغاثية، وترفيهية، وأن تتوحد الجهود لحفظ ذاكرتنا وتاريخ جهادنا ونضالنا وكفاحنا وصراعنا،

 ونقدم لأبنائنا وزوارنا والأجيال القادمة التاريخ والتضحيات والبطولات مجسمة، بالصوت والصورة، نحتاج بانوراما فلسطينية نعبر بها نحو المستقبل.

البث المباشر