كلما جرّب العسكريون الإسرائيليون أسلحتهم الجديدة على الفلسطينيين أكثر، كلما ضمنوا لصناعتهم الحربية أسواقاً أكبر.. هذا ما توصل إليه البرنامج التلفزيوني الإسرائيلي «المختبر» الذي سعى، على رغم الجو العدائي الذي تحرّك فيه، إلى البحث عن حقيقة وجود «متلازمة» صناعة الأسلحة في إسرائيل وحروبها في المنطقة، باعتبار أن الحرب، ووفق التجربة التاريخية، هي من أهم مكوناتها ولا يمكن لها أن تستمر من دونها.
للتوصل إلى هذا الاستنتاج احتاج البرنامج السير في طرق شائكة وخطيرة، لا لأن موضوعه يمسّ مبادئ السياسة الإسرائيلية فحسب، بل يتعداه إلى كشف علاقة كبار ضباط جيشه بصناعة السلاح المزدهرة، والتي تدر عليهم وعلى موازنة إسرائيل البليونات من العملة الصعبة.
يتوقف البرنامج عند «عملية الرصاص المصبوب» عام 2008، باعتبارها حرباً من نوع جديد استخدمت فيها إسرائيل أسلحة وتكتيكات جديدة، زادت بها من عدد ضحاياها وقللت من خسارتها بفضل التقنيات الحديثة التي طوّرتها صناعتها الحربية وجرّبتها على نطاق واسع في هذه العملية.
ويُنبّه البرنامج إلى أن الدعاية الإسرائيلية ومنذ سنوات استبدلت كلمة «حرب» بـ «عملية».
البرنامج الذي توافرت له فرصة حضور مؤتمر تقويمي شارك فيه كبار الضباط إلى جانب أصحاب شركات إنتاج الأسلحة، سيستمع إلى محاضرات أكدت كلها على نجاح التكتيكات الجديدة وجودة الأسلحة المستخدمة، وتلك التي ستُستخدم في حروبهم المقبلة، كما وعد أحد قادة منطقة الشمال: «ستكون استراتيجيتنا في المناطق التي سنحتلها مستقبلاً مثل غزة ولبنان، هي قتل أكبر عدد من الأشخاص الذين ولدوا أصلاً ليُقتلوا، وما علينا سوى مساعدتهم على ذلك، وسنعتمد فيها على أسلحة حديثة أثبتت فعاليتها في «الرصاص المصبوب»، وفسرت لنا لماذا تغيّرت قواعد الحرب في السنوات الأخيرة».
بعد مقابلات مع عدد من الحاضرين في المؤتمر يتوصل البرنامج إلى أن غالبية أصحاب شركات صناعة الأسلحة هم ضباط سابقون في الجيش الإسرائيلي مثل آموس غولان الذي يملك شركة تحمل اسمه ومكانها كريات أونو، والذي اعتمد في صنع بندقيته الأوتوماتيكية «رمي الزوايا» ذات الماسورات المتحركة والمتغيرة الزوايا على تجربته خلال الانتفاضات الفلسطينية وحروب الشوارع في مدنها.
من الاستنتاجات المهمة التي يخرج بها البرنامج التلفزيوني أن غالبية أصحاب الشركات وحتى يؤمّنوا ازدهاراً لتجارتهم يغذون نزعة خوض الحروب، بخاصة أن لهم علاقات متينة مع المؤسسة العسكرية وتوصلوا إلى أن نشر الخوف من الفلسطيني يزيد من فرص نمو شركات «الحراسة الخاصة» التي أصبح كثير من أصحابها مستشارين لجيوش غربية، وخبراء عاملين في دول تريد تطبيق أساليبهم وأسلحتهم لمكافحة «الاضطرابات» التي تحدث فيها وتشبه طبيعتها طبيعة تحرك الفلسطينيين في المدن والشوارع.
تحولت إسرائيل بعد أحداث أيلول (سبتمبر) ودخول أميركا في العراق وأفغانستان إلى وجه اقتصادي صناعي مختص بحرب المدن بل حتى في ملاحقة عصابات المخدرات في عواصم كبيرة مثل ريو دي جانيرو البرازيلية.
أخطر ما ينقله «المختبر» هو الكيفية التي يسرّبون بها فكرة استسهال قتل الفلسطيني، من خلال الأفلام الدعائية المقدمة في معارض الأسلحة العالمية والتي يكون فيها الفلسطيني دائماً هدفاً للأسلحة المروّج لها، وبمقدار ما تنجح بتصفيتهم بـ «رشاقة» بمقدار ما يقبل الزبائن على شرائها.
لقد حولت صناعة الأسلحة الإسرائيلية الفلسطينيين إلى ماركة تجارية لها. وبحسب وزير الدفاع السابق بنيامين بن العيزر الذي التقاه معد البرنامج في أحد المعارض فإن «سبب إقبال العالم على أسلحتنا يعود لكوننا نمتلك أفضل التكنولوجيا كما أن الناس تحب شراء الأشياء «المجربة» عملياً وأسلحتنا مجرّبة على الفلسطينيين لعقود ولهذا الطلب عليها كبير جداً».
وعن مقدار ما تجنيه الحروب من أرباح؟ كان الوزير واضحاً في جوابه: «هذه الحروب درّت على إسرائيل بلايين الدولارات وشَغلت آلاف من الأيدي العاملة».
ما لم يقله الوزير توصل إليه البرنامج فخلال العام الماضي وصل حجم مبيعات الأسلحة إلى سبعة بلايين دولار.
في المقابل رصد البرنامج صدى دعاية الصناعة العسكرية الإسرائيلية المنهجية على الناس العاديين والتي تربط دائماً بين الحرب والازدهار الاقتصادي وتروّج لفكرة «المعجزة الاقتصادية» التي تقول إن إسرائيل معجزة، فعلى رغم كل الحروب التي خاضتها خرجت قوية واقتصادها أكثر ازدهاراً ونمواً.
ويضيف البرنامج إلى هذا الادعاء وفي خاتمته عبارة اعتراضية تقول: «لنستبدل عبارة «على رغم الحروب» إلى «لولا الحروب» لما أزدهر اقتصاد إسرائيل وصناعتها الحربية خصوصاً!».
الحياة اللندنية