قائد الطوفان قائد الطوفان

الأدوية المُختزنة في لحوم الدواجن.. الذنْب المسكوت عنه !

الدواجن في المزارع (أرشيف)
الدواجن في المزارع (أرشيف)

الرسالة نت- أحمد الكــومــي

أصابت الحسرة المزارع ناهض ناجي بعدما اقتحم فيروس "آي بي" أسوار مزرعته وأصاب ثلاثة آلاف صوص، وهو مرض يصيب الجهاز التنفسي ولا سبيل للقضاء عليه إلا بإعدام الدواجن، بتصنيف الطب البيطري.

لم يجد ناجي سبيلا سوى حقن صيصانه "المريضة" بالمضادات الحيوية والفيتامينات إلى حين بلوغها الوزن الذي يسمح بإنزالها السوق لتفادي الخسارة، ما يعني أنها ستعرف طريقها مباشرة إلى موائد الفلسطينيين، وهي الحقيقة المرّة التي اختفت خلف ركام فوضوي من الظروف، أبرزها غفلة الجهات الرقابية، وانتهاك معايير السلامة الصحية، والعزوف عن الطب البيطري، الأمر الذي يمهّد الطريق أمام أمراض خطيرة لولوج جسد الإنسان؛ حصيلة تكرار تناولها على فترات طويلة.

وفي الوقت الذي يحرص فيه مربّو الدواجن -ومنهم ناجي- على تحصينها من الأمراض بالأدوية والمضادات الحيوية، فإن المُختزن منها يؤثر بالسلب على صحة المواطن الفلسطيني على المدى البعيد، التي تبدأ أساسا من صحة الحيوان، وهو السيناريو الأخطر مثار التحقيق لدى "الرسالة نت".

المحطة الأولى لـ"الرسالة نت" كانت (شركة غزة للدواجن) شرق مدينة غزة وصاحبها عبد الباسط السوافيري (45 عاما). بالقرب من سوق السيارات هناك يملك السوافيري "بركس" كبيرا تتواجد فيه شاحنات وأقفاص بلاستيكية لنقل الدواجن، حيث يعد من أكبر الموزّعين في القطاع. وعلى مسافة قريبة منه مزرعة له رفض العاملون فيها دخولنا كونها خاضعة لإجراءات الأمن الحيوي (إبعاد المزرعة عن مصادر المرض)، كما أخبرونا.

"

طبيب مراقب للسوق روى أن الستة أشهر الأخيرة شهدت شراء أناس ليسوا مخوّلين أدوية بيطرية من (إسرائيل) بالأطنان !

"

تقاطع وقت المقابلة مع اجتماع للسوافيري بمزارعيْن، أحدهما صبري بركة من أكبر مربّي الدواجن، واكتملت أضلاع المثلث بعد مرور دقائق بقدوم أيمن فتّوح (47 عاما) أحد تجّار الأدوية البيطرية. النقاش احتدم سريعا بينهم حول تأثير داء الدواجن ودوائها على صحة الإنسان. الكل اتفق على خطورتها حال لم يلتزم المزارع بـ"فترة الأمان" قبل طرح المنتج في السوق.

و"فترة الأمان" هي المدة الزمنية التي تعقب خلو جسد الدجاجة من الأدوية إلى حين التسويق، مع العلم أن مدة التربية (العمر المفترض للدواجن) تتراوح بين 35-40 يوما، يجري خلالها إعطاء الدجاجة مضادات حيوية وتحسينات وقائية بجانب الأدوية.

لكن ثلاثتهم اختلفوا حول آلية إعطاء الدواء بعد النسبة التي كشف عنها السوافيري بأن 50-60% من مزارعي غزة يستخدمون "الحقن بالإبر" في علاج الدواجن. فتّوح اكتفى بالتأكيد أن التجّار أكثر فئة تستهلك الدواء "وليس الصيادلة". أمّا بركة فأكد بدوره أن المزارع بات يشخّص المرض ويقرر العلاج دون الاستعانة بطبيب بيطري.

أكثر الأدوية شيوعا

حدة النقاش الذي ساد الاجتماع كشف حقيقة خطورة أمراض الدواجن ومُتبقيات الأدوية في أجسادها، الأمر الذي استدعى "الرسالة نت" ألا تغادر الشركة قبل أن تحصل من التاجر فتّوح على قائمة بأكثر الأدوية شيوعا في غزة، وعرضتها لاحقا على حسن صلوحة (68 عاما) أشهر طبيب بيطري في القطاع -والحاصل على المرتبة الأولى على جمهورية مصر العربية في الطب البيطري من جامعة أسيوط عام 1970م- الذي أشار إلى أكثر الأدوية خطرا وهو (الجنتاميسين) Gentamycin، ويؤخذ بطريقة الحقن.

وقال أيضا إن (الجنتاميسين) يتواجد في جسد الطير مدة 40 يوما وينصح بحقنه عندما تكون الدجاجة في سن مبكرة، "لكن أغلب المزارعين يحنقونه قبل ثلاثة أو أربعة أيام من إنزال الدواجن إلى السوق، أي بعمر (36 يوما) تقريبا، وهذا يؤدي لتسمم الإنسان على المدى البعيد".

والمفارقة التي كشف عنها الطبيب البيطري الذي يقول إنه مراقب جيد للسوق -لديه خبرة 44 عاما- أن (الجنتاميسين) يفترض أن يتواجد لدى الأطباء والعيادات البيطرية فقط، لكنه متوفر بالأسواق وفي متناول يد المزارعين.

"فقط يؤدي إلى التسمم؟" سألت "الرسالة نت" الطبيب صلوحة وكانت المفاجأة: "لا طبعا، يؤدي أيضا إلى الفشل الكلوي وترسيبات في الطحال والكبد، وأعراض أخرى".

خطورة الأعراض فرضت التحقق منها من مختبر تحليل الأدوية في جامعة الأزهر بغزة، باعتباره الجهة التي تلجأ لها وزارة الزراعة لإجراء الفحوصات، ولم يكن ذلك بالأمر السهل، خاصة أن المدير العام له فضّل أن نتحدث مع طبيب متخصص في علم الأدوية فقط.

واهتدت "الرسالة نت" بعد عناء بحث واتصالات إلى الدكتور محمود طالب أستاذ علم الأدوية والسموم في كلية الصيدلة بالأزهر، الذي أكد الأعراض التي أوردها الطبيب صلوحة للجنتاميسين.

وشرح طالب أن هذا الدواء ينتمي إلى عائلة المضادات الحيوية التي بدأ يقل استخدامها عند الإنسان نظرا لما تحدثه من أعراض جانبية، أخطرها الفشل الكلوي وضعف السمع لدى الإنسان، والتأثير على المجاري البولية"، مؤكدا أن تناوله بجرعات عالية يمكن أن يؤدي إلى الصمم والوهن العضلي!

"

50-60% من مزارعي غزة يستخدمون "الحقن بالإبر" في علاج الدواجن

"

ونوه أستاذ علم الأدوية والسموم إلى أن (الجنتاميسين) دواء يذوب في الماء، وأن له فترة (النصف عمر)، أي أنه لا يظل متراكما في جسم الإنسان وينتهي تأثيره بعد مرور 12-24 ساعة، لكنه أكد أن خطورته تكمن في استمرارية استخدامه ووجوده في الجسم.

والمفاجأة التي استدعت الدكتور طالب أن يلبس نظارته كان وجود دواء (نيوميسين) في قائمة الأدوية التي حصلنا عليها من تاجر الدواء فتّوح، الذي اعتبره من عائلة (الجنتاميسين) لكن الفارق أنه أكثر خطورة ويؤدي إلى فشل كلوي وصمم مباشرة "لذلك لا يستخدم بتاتا"، كما قال!

وبرغم خطورة عائلة المضادات الحيوية هذه المستخدمة لدى الدواجن فإن الدكتور طالب قال إنها "لا تعد خطيرة على جسم الإنسان أمام هرمونات التسمين"، لافتا إلى أنها أكثر خطورة على الصحة، وأن منها ما هو مسرطن و"مُغيّر" لهرمونات داخل جسم الفرد!

ونبّه إلى ضرورة التحقيق مع المزارعين في طبيعة الهرمونات التي يستخدمونها في الدواجن، مستدركا: "المضادات الحيوية لا تؤدي بالضرورة إلى زيادة الوزن"!

إجراءات الأمن الحيوي

"الرسالة نت" حملت الملف إلى الدكتور زكريا الكفارنة المدير العام للخدمات البيطرية في وزارة الزراعة بغزة، الذي اتفق على خطورة إعطاء الدواء في المدة الأخيرة من العمر المفترض للدواجن حرصا على صحة الإنسان، لكنه في الوقت نفسه أكد أن كل الأدوية البيطرية المتداولة في غزة "مصرّح بها"، وأبدى أيضا اطمئنانه للمنتج في السوق.

لم تمض دقائق على حديثنا حتى قاطعنا أحد العاملين في الخدمات البيطرية ليخبر المدير العام بوصول حالتين لمرّبي أغنام إلى مستشفى الشفاء مصابتين بالتسمم، فأشار الكفارنة سريعا إلى ضرورة الذهاب لبيتهما وفحص كل الأغنام وإعدام المريضة منها إن ثبتت خطورة المرض.

وإن كان نظام الإعدام ساريا على المواشي المريضة فلم لا يسري أيضا على الدواجن المريضة أو حتى المختزنة للدواء في أجسادها بعد اكتشاف خطورة أعراض ذلك على الصحة؟! علما بأن عدد المزارع في غزة يتجاوز الـ 1200 مزرعة، بإحصائية "الزراعة".

إجابة الكفارنة كانت بأنه كلما كانت مزرعة الدواجن متطورة ومؤهلة ومتقيّدة بالأمن الحيوي تكون محصّنة من المرض ويقل استخدامها للأدوية. لكنه أشار إلى أنهم سبق أن أعدموا عام 2006 نصف مليون دجاجة كانت مصابة بمرض "انفلونزا الطيور"، وأنه تم تعويض المزارعين بمبلغ 2 مليون دولار.

وذكر أن "انفلونزا الطيور" واحدا من 220-230 مرضا عالميا يصيب الدواجن، بيد أنه لفت إلى عشرة أمراض سائدة في فلسطين فقط؛ نظرا لاختلاف البيئة والجو.

وأوضح أن أخطر تلك الأمراض في غزة هو مرض نيوكاسل (الالتهاب الدماغي الرئوي) وله عدة أشكال: تنفسي، عصبي، معوي، ويتسبب بنسبة نفوق 100%، ولا علاج له سوى التحصين ضده قبل حدوثه.

وبحكم كون الطبيب البيطري صلوحة مراقب جيد للسوق فإنه أماط اللثام عن "ظاهرة خطيرة" كما سمّاها، مرّت خلال الستة أشهر الأخيرة، تتمثل في شراء غير المخوّلين أدوية بيطرية من (إسرائيل) بالأطنان" !

وقال "تلك الكميات التي دخلت غزة خلال تلك الفترة توازي ما دخل من الدواء خلال عشرة أعوام مضت، لدرجة أنها وصلت من يملك 100 صوص فقط .. وهذا خطير جدا" !

وحذّر صلوحة من بيع الدواجن بالسوق وفي أجسادها دواء، مضيفا: "يمنع ذلك منعا باتا، وإن حدث فالأسلم إتلافها، ولو أُتلفت كل المزرعة (..) ممنوع لهذه الدواجن أن تذبح أو تؤكل إطلاقا إلى أن تتخلص من الدواء". ورأى أن ذلك يتطلب بالأساس وازعا ضميريا عند المربّي"، مجددا تأكيده أن "معظم بائعي الأدوية البيطرية في غزة ليسوا مخوّلين لذلك".

تاجر الأدوية فتّوح قال إنه يستورد الدواء البيطري من شركة (بيوفات) (الإسرائيلية) بمبلغ يقدر بـ 400 ألف شيكل شهريا ويوزعها على ما يزيد عن "80 زبون"، مع الإشارة أن "الزراعة" أكدت وجود حوالي 50 صيدلية في غزة فقط.

الكفارنة من جانبه شدد على أن أي دواء بيطري يدخل غزة يكون مسجلا لدى وزارة الصحة، وأن الزراعة تأخذ بدورها عينات من الدواء لفصحه، ثم تعطي التصريح بدخوله إن ثبت سلامته.

وشرح أن الأدوية تمر فقط عبر معبر كرم أبو سالم التجاري جنوب القطاع، وسبق أن كانت تدخل بالتهريب عبر الأنفاق الأرضية الحدودية مع مصر، "التي كانت تمثل مشكلة كبيرة لوزارة الزراعة".

"

(الجنتاميسين) أخطر الأدوية المستخدمة لعلاج الدواجن ويؤخذ بطريقة الحقن

"

ولم يخف الكفارنة ضبط حالات تهريب للأدوية البيطرية بعد حملة هدم الأنفاق التي شرع بها الجيش المصري عقب انقلاب 30 يونيو. وقال: "حدث أن ضبطنا حالات تهريب على معبر بيت حانون (إيرز) شمال القطاع، بعدما وصلتنا إشارات من الأمن هناك، وأكبر تلك الشحنات المهربة كانت في حقائب مسافرين" ! علما بأنه لا يوجد في معبر بيت حانون طواقم زراعية واقتصادية، وهو مخصص للمسافرين والحالات الإنسانية فقط.

الطب البيطري متهم

أما بشأن نسبة المزارعين الذين يستخدمون "الحقن بالإبر" في علاج الدواجن (60% التي أعلن عنها السوافيري)، فاعتبرها الكفارنة "إجراء علميا وليس خطأ"، لكن أكد أن "المهم فيها هو موعد إعطاء الدواء".

ولم يحصل -بحسب السوافيري- أن منعت دائرة حكومية مزرعة دواجن من بيع المنتج. وأرجع ذلك إلى عدم وجود رقابة وجولات ميدانية للزراعة على المزارع في غزة، الأمر الذي نفاه الكفارنة، وقال: "يوجد مديرية بيطرة لنا في كل محافظة من محافظات القطاع الخمس، ونجري جولات ميدانية على المزارع باستمرار".

المزارعون ومربّو الدواجن شكوا أيضا قِدَم خبرات الأطباء البيطريين في غزة "التي مرّ عليها 20 عاما" على حد قول أحدهم، وهو ما استدعى "الرسالة" السؤال عن واقع الطب البيطري في القطاع، علما بأن عدد الأطباء البيطريين فيه يبلغ 96 طبيبا، وفق إحصائية حصلت عليها "الرسالة" من الدكتور حسن عزام (44 عاما) نقيب الأطباء البيطريين، الذي أشار إلى وجود 61 طبيبا مسجلا في النقابة و25 آخرين مستنكفين عن العمل، و10 إضافيين "ليست لهم علاقة بالمهنة، أي غير ممارس لها".

السوافيري قال إن "أعداد الأطباء تنقص ولا تزيد فضلا عن أن خبراتهم لا تنمو، مع حدوث سلالات جديدة في الدواجن تستوجب أن يتابعها طب بيطري حديث"، وعزا ذلك إلى غياب كليات ومعاهد الطب البيطري في غزة، حيث قال: "لم نر وجوها جديدة منذ 20 عاما"، مع الإشارة هنا إلى أن السوافيري (45 عاما) توارث مهنته أبّا عن جد.

الطبيب البيطري صلوحة شدد من جانبه على أنه من الخطورة بمكان أن يعتمد المزارع على خبرته ولا يستعين بالطب البيطري، ويعود ذلك من وجهة نظره إلى أن "خبرة المزارعين تستند على معلومات خاطئة لديهم من سنين". واستدرك قائلا: "لو كنّا نملك خبرة صحيحة لما وصلنا إلى أن نكون من أسوأ الناس في تربية الدواجن"!

ولم يقع لوم صلوحة -الذي تقاعد من عمله في وزارة الزراعة عام 2002- على المزارع لوحده فقد أكد وجود أطباء "يجهلون" في التربية؛ لعدم ممارستهم المهنة، مضيفا: "هناك أطباء لديهم مجهود رائع لكن لا إمكانات موفرة لهم، كوجود مختبر جيد".

نقيب الأطباء البيطريين عزام عارض حديث المزارعين، وقال: "لدينا طب بيطري متطور في غزة (..) نحن نملك الآن مختبرا بيطريا تابعا للزراعة، وقد انتقلنا من خلاله نقلة نوعية، واستقدمنا أجهزة فحص تعطي نتيجة بنسبة 100%".

ودلّ على قوله، بأن "إنتاج القطاع من الدواجن للفرد الواحد (23 كلجم سنويا) يعادل ما تنتجه أوروبا للفرد (25-26 كلجم)، فضلا عن حدوث اكتفاء ذاتي في بيض المائدة (110 بيضة سنويا للفرد).

أما بشأن غياب معاهد الطب البيطري في غزة، فقال عزام إن وجودها يمكن أيضا أن يجلب مشكلة تتمثل في خريجين على بند البطالة، مضيفا: "يكفينا من 2-3 أطباء بيطريين للوزارات الحكومية والبلديات في السنة".

وكشف عزام أن 60% من الأطباء البيطريين بغزة كبار في السن، وأن وزارة الزراعة اتجهت إلى توظيف أطباء متقاعدين تجاوزوا الستين عاما في وظائف على نظام التشغيل المؤقت (البطالة)، الأمر الذي دفعهم -وفق قوله- إلى إرسال رسالة لمجلس الوزراء بابتعاث طلاب لدراسة الطب البيطري في الخارج وأيضا تشجيع دراسته، كونه من المهن "النادرة" التي يحتاجها القطاع في المستقبل، خاصة أن وزارة الزراعة أقدمت حديثا -بحسب الكفارنة- على إنشاء أربع عيادات بيطرية حكومية لأول مرة في غزة.

أين حماية المستهلك؟

وإن كان من اتهام يوجه في هذه القضية، فالأصابع كلها ستتجه صوب وزارة الزراعة، ولا يعفي ذلك السؤال عن "أين حماية المستهلك مما يجري؟".

عماد الباز المشرف العام للإدارة العامة للمكاتب الفرعية وحماية المستهلك بوزارة الاقتصاد، ألقى بالمسؤولية الكبيرة على الزراعة في موضوع الدواجن. وقال: "الوزارة مقصّرة جدا في هذا الشأن (..) هي تحمل هذا الملف بحكم أنها مختصة في ذلك".

وشرح الباز لـ"الرسالة نت" أن دور حماية المستهلك فيما يتعلق بالدواجن يقتصر على مراقبة الميزان الذي يملكه بائع الدواجن والتأكد من أن المنتج طازج، "أما الدجاجة في حد ذاتها مريضة أم صحيحة فهذا ليس اختصاصنا"، وفق قوله.

لكن الدكتور رمضان شامية، الطبيب البيطري في "الاقتصاد" كان له رأي مغاير عن الباز رغم أنهما كانا مجتمعين في مكتب واحد، حيث قال لـ"الرسالة نت": "نحن معنيون برقابة ما يُعرض في السوق سعرا وصحة".

وروى شامية أنه خرج ذات مرة ميدانيا إلى سوق الشجاعية شرق مدينة غزة برفقة مباحث التموين، وضبط وقتها كمية من الدواجن أثبت بعد فحصها وتشريحها بطريقة فنية أنها تعرضت للحقن بالإبر قبل يومين من إنزالها السوق فقط.

وتبيّن لاحقا أن أحد المتطفلين على مهنة الطب البيطري -والكلام لشامية- كان قد قال لهذا المزارع بعد حقن الدواجن: "يومين وبيع"!

وكشف أنه خاطب شخصيا اللجنة العليا لمراقبة الأغذية في غزة بضرورة ألا يسوّق أي منتج من الدجاج أو البيض إلا بشهادة خلو من المضادات الحيوية والتطعيمات، مبينا أن الرد جاء بأن وزارة الزراعة لا تشرف على كل المزارع، وأن هناك مزارع صغيرة في البيوت وأخرى غير مسجلة عندهم، فضلا عن أن بعض الدواجن تسوّق باجتهادات دون استشارة طبيب بيطري.

تجدر الإشارة إلى أن مهام اللجنة العليا للأغذية (تشكلت عام 2008 بقرار من الحكومة) مراقبة ما يدخل قطاع غزة من مواد غذائية وخضروات، ومراقبة السوق المحلي، والحفاظ على القيمة الشرائية ومنع ارتفاع الأسعار وبيع الأغذية الفاسدة، وهي مكونة من عدة وزارات حكومية معنية.

جدير بالذكر، أن ثلاثة مليون بيضة تدخل قطاع غزة شهريا توزّع على 18 فقاسة، ينتج عنها 2،5 مليون صوص تقريبا، هو معدل الاحتياج الشهري للفلسطينيين في غزة، بتأكيد تحسين السقا المدير العام للتسويق والمعابر في وزارة الزراعة لـ"الرسالة".

أما بشأن الأعلاف التي تدخل القطاع، فنسبة كبيرة منها مصدرها المصانع (الإسرائيلية)، أما البقية فيقوم على تصنيعها شركتين في غزة هما: الشركة الوطنية للأعلاف (نافكو)، وشركة غزة للأعلاف (اللورد).

نتائج وحلول

جُملة مطالب مهمة ترسّبت في قاعدة التحقيق، تطبيقها من شأنه أن يجلب الطمأنينة للمستهلك بدجاج صحي ويرفع الاتهام عن وزارة الزراعة، أهمّها كان ضرورة معاملة اللحوم البيضاء كالحمراء، التي تقل نسبة الطلب عليها، وفق قول الموزّع السوافيري.

وقال السوافيري: "المواشي تذبح في مسالخ في غزة يداوم في كل منها طبيب بيطري يراقب بدوره عملية الذبح وسلامة الذبيحة، ويعطي الإذن بنزولها السوق عبر ختم خاص في اللحم، يطمئن لرؤيته المواطن فيشتري دون تردد.. لماذا لا يسري هذا النظام على الدواجن؟!".

ويتفق صلوحة مع السوافيري، حيث اقترح إنشاء مسلخ مركزي للدواجن. ورأى أن المسلخ "الحل الوحيد، وأنه النظام الصحي المعمول به في كل دول العالم"، فضلا عن توعية خاصة لمربّي الدواجن طالب بها الطبيب البيطري "حتى لو جرى استعمال الضرب بالعصا لمن لا يسمع الكلام"، على حد تعبيره.

ونبه صلوحة إلى أهمية مراقبة النظافة -إن لم يؤخذ باقتراح المسلخ- في محلات بيع الدواجن، مبينا أن "آلة نتف الريش وقدر الماء المغلي الذي توضع به الدواجن لا بد أن يخضعا لرقابة دورية، فجسد الدجاجة وهو ساخن يتشرب دماء الدجاج الآخر، وهو ما يجب أن ننتبه له، النظافة" !

الكفارنة ردّ بأن مشروع المسلخ المركزي للدواجن مطروح بقوة على أجندة "الزراعة"، وأن الأخيرة وافقت عليها وقدمته للدول المانحة "لكن الوضع السياسي عطّل العمل به"، ولم يفت عنه التصريح بأن "قطاع الدواجن بأكمله يحتاج ثورة على صعيد المزارع"، بما يتوافق مع حديث الطبيب البيطري صلوحة الذي اعتبر أن "أكثر من 95% من مزارع غزة لا تعد نموذجية".

ولا يعفي ذلك كله من أن ينتبه المواطن الفلسطيني لسلوكه الغذائي، الذي حرصت "الرسالة" عليه من خلال بحثها عن الوزن الأفضل لاستهلاك الدجاج، فاجتمعت الآراء على الوزن الكبير (فوق الـ 2 كجم)، حيث رأى مربّي الدواجن صبري بركة أن الدجاج الكبير آمن وأفضل للاستهلاك. وقال: "كبر الدجاجة دليل على صحتها (..) الدجاجة المريضة لا تكبر"، وربما يكون ذلك تفسيرا للنسبة التي قدّرها الموزّع السوافيري، حيث أشار إلى أن 65% من الطلب يعود على الدواجن ذات الوزن الكبير.

بينما نحا الطبيب صلوحة منحى آخر عن سابقيه بقوله "إن كِبر الدجاجة ليس معناه أنها صحيحة أو غير ذلك"، موضحا أن الدجاجة ذات الوزن الكبير "ربما تكون قد تعرضت لعدد من الأمراض أكثر من ذوات الوزن الصغير".

وذكر صلوحة أن الدجاجة فوق وزن الـ2 كجم لا تعتبر "الدجاجة المثالية" في الأكل، وتابع: "أنا أريد فرخة مقبولة أليافها طريّة، وهذه تجدها في حدود 1,8 كجم".

خطر الأدوية المختزنة في لحوم الدواجن وغياب الرقابة وانتهاك معايير السلامة الصحية يفرض على الجهات المعنية تحمل المسؤولية المشتركة إزاء الخطر الذي يهدد صحة الإنسان ووضع قطاع الدواجن على قائمة أولويات الاهتمام، خاصة أنه يمثل جزءا حيويا من الاقتصاد الفلسطيني، إذ يساهم بـ70% من إنتاج الثروة الحيوانية، ويشغّل ما يقرب من آلاف الأسر، بتقدير الزراعة.

البث المباشر