نزوح الغزيين.. "تغريبة" جديدة

العائلات النازحين من بيوتهم بغزة
العائلات النازحين من بيوتهم بغزة

الرسالة نت- ياسمين ساق الله

قليل من الطعام والملابس وبعض ألعاب صغارها، ما وضعته المواطنة أم أديب الخالدي داخل حقيبتها قبل أن تغلق باب بيتها في منطقة السودانية شمال قطاع غزة وتتركه برفقة زوجها وأطفالها دون أن تدري موعد العودة إليه وكأنها تغريبة فلسطينية جديدة.

مشهد الخالدي يجسد لسان حال الكثير من عائلات غزة التي تركت بيوتها بكل ما فيها قسرا نتيجة لاستمرار ضربات القذائف العشوائية من الزوارق الحربية واطلاق صواريخ من الطائرات الاسرائيلية منذ اليوم الأول لبدء العدوان على غزة  والذي أسفر في يومه العشرين عن استشهاد 890 مواطنا وأكثر من 5800 جريح.

اشتداد القصف

قسوة ومرارة أيام هذا العدوان جعل "أم أديب" تنسى معنى الراحة والنوم وتقطن داخل غرفة صغيرة عند بيت أختها بشارع الجلاء عله يكون أكثرا أمنا وسلامة من بيتها القريب من نيران الاحتلال.

تقول لـ"الرسالة نت" والقلق من القادم يكسو ملامح وجهها القمحي: "لم نخرج من البيت في اليوم الأول للحرب لكن بعد مرور الوقت بدأت الأوضاع تتصاعد وتتدهور فقررنا مغادرة المنزل، لسلامة أسرتي وخاصة صغاري الذين ينتابهم الخوف والرعب عند حلول الليل واشتداد القصف برا وبحرا".

جلوسها بجانب زوجها وأطفالها التسعة أمام أعينها بسلام، جلّ ما تريده هذه الأم الفلسطينية في ظل تواصل نزيف الدم الفلسطيني جراء استمرار المجازر "الإسرائيلية" بحق البشر والحجر في قطاع غزة.

ونزوحها من بيتها إلى مكان آخر، كما توضح الخالدي لا يعني أنها بعيدة عن نيران الاستهداف الاسرائيلي, وتضيف:" الكثير من العائلات استهدفت داخل شققها السكنية فالجميع معرض للخطر أينما تواجد لكن نحن خرجنا من أجل سلامة أطفالنا".

الشعور بالاطمئنان في هذه الأيام ما تحلم به "أم أديب" كما باقي الأمهات في غزة التي لا تبخل بأن تزف ابنها شهيدا للوطن, لكنها في الوقت ذاته صعب عليها أن تتذوق معنى حرمان فلذة كبدها.

وذكرت مصادر فلسطينية أنه يتم بلورة صيغة نهائية لوقف اطلاق النار وأن الساعات القادمة ستكون حاسمة لوقف العدوان ضد الشعب الفلسطيني وخصوصا في غزة.

"أعجوبة"

خروج الخالدي من منزلها كان غير محفوف بالصعاب والمخاطر في الأيام الأولى للعدوان على عكس ما تعرضت له المواطنة "أم عثمان" من منطقة الزيتون شرق قطاع غزة، عندما تركت بيتها على عجالة في ظل توالي قذائف الدبابات على رؤوسهم لينجو منها بأعجوبة.

المسافة التي قطعتها عائلة أم عثمان لكي تخرج من الزيتون وتصل إلى منزل ابنتها في الشيخ رضوان وكأنها الدهر بأكمله كما جاء على لسانها، وذلك لصعوبة الطريق التي كانت معرضة لمرمى نيران الطائرات والدبابات بين الفينة والأخرى.

هذه العائلة المكونة من سبعة أفراد خرجت من بيتها دون أن تحمل في جعبتها ما يسد قوتها من مأكل ومشرب طيلة أيام الحرب المستمرة.

هنا أم عثمان تقول: "رغم خروجنا من البيت إلا أن بالنا مشغول دوما فيما يحدث في منطقتنا بالزيتون، وفكرنا كثيرا بالعودة لكن كان الخوف يقطع الطريق علينا لنبقى في منزل ابنتي".

قسوة هذا الواقع الذي فرض عليهم يتلاشى بعض الشيء مع جلوس أفراد العائلة والأقارب كافة في مكان يجمعهم ويوحد حديثهم وذكرياتهم وآلامهم عن العدوان الحالي والحروب السابقة التي عايشوها بذات الطريقة.

وخلال حديثها لـ"الرسالة نت"، تمنت أن تنتهي تلك المعركة للجم مشاهد الترحال والمعاناة والتشرد الذي بات مصير الكثير من العائلات التي تقطن تحديدا على حدود التماس مع الاحتلال.

تشرد وضياع

هذه العائلات التي وحّدها الشعور بالألم والخوف والقلق مما يجرى على الأرض من مجازر اسرائيلية , البعض منها عاد إلى بيته ليطمئن عليه رغم خطورة الأوضاع في حين البعض الآخر لم يعد إلى بيته منذ أن خرج بل ما زال يكتفي بالاتصال على من تبقى من الجيران في المنطقة للاطمئنان .

صعوبة التواجد في الشجاعية لثقل مشاهد الدمار والخراب يعيدك للوراء لمجازر كثيرة ارتكبها الاحتلال في شمال القطاع إبان حرب عام 2008-2009 وحرب الأيام الثمانية عام 2012.

المواطن غسان جرادة أحد المواطنين الذين خرجوا من منطقة الشجاعية بسلام بصحبة عائلته الكبيرة بعد تعرضها لوابل من القذائف الصاروخية والتي أحدثت مجزرة بحق الكثير من العائلات التي تقطن بها راح ضحيتها الكثير من الشهداء .

جرادة منذ خروجه من منزله المكون من ثمانية شقق ويقطن بداخله أكثر من خمسين فرد، يشعر بالتشرد والضياع لاسيما أن خروجهم جميعا من المنزل لم يستغرق خمس دقائق.

الدقائق الخمس كانت لديهم أشبه بالكابوس الذي لم ينته بعد , كما يقول جرادة لـ"الرسالة نت" الذي ما زال يفكر كيف ومتى سيعود إلى منزله لتعود حياته وحياة عائلته كما كانت بالسابق.

استمرار مشاهد ترحالهم وتغريبهم عن بيوتهم لم يقتصر على العائلات التي ذكرت في سطور هذا التقرير ,بل هناك الكثير من العائلات نزحت وخاصة من منطقة الشجاعية.

وليس في هذه البقعة فحسب حدثت الهجرة, بل نزح العديد من العائلات إلى مدارس وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" في بيت حانون, منذ اليوم الأول للحرب للاحتماء داخل أسوارها وجدرانها من غدر الطائرات والقذائف الاسرائيلية.

النازحون داخل المدارس لم ينجو من غدر الاحتلال , حيث استشهد أكثر من 15 مواطنا وأصيب أكثر من 200 جريح في قصف مدفعي لإحدى مدارس الأونروا في بيت حانون شمال قطاع غزة.

ولحين وقف العدوان على القطاع ستبقى هذه العائلات الفلسطينية لاجئو غزة من غزة يعايشون حكايات الألم والمعاناة.

 

 

متعلقات

أخبار رئيسية

المزيد من تقارير

البث المباشر