رسم انتصار المقاومة في قطاع غزة، حدودا لـ (إسرائيل) لا يمكن أن تتجاوزها، ونتج عنه ارتدادات استفادت منها خمسة محاور رئيسية في المنطقة بشكل كبير.
أول هذه المحاور، هو محور المقاومة العربية الممتدة من سوريا إلى لبنان، وحزب الله على وجه الخصوص، حيث بدى واضحا أن (إسرائيل) تحجم عن ضرب مواقع اعتادت على مهاجمتها، فضلا عن خشيتها من الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة في الشمال، وإدخال الجبهة الداخلية في حرب جديدة، بعدما أنهكتها معركة غزة.
المحور الثاني، يتعلق بالجانب الفلسطيني، حيث أعادت المقاومة الاعتبار للخطاب الفلسطيني، وكذلك للسلطة، التي لا تزال –رغم ذلك-تعتبر أن ما أُنجز في غزة هو "نكاية بها"، وأظهرت أن القرار الفلسطيني صادر من مطبخ واحد، عدا عن أنها أظهرت ثقل حركة حماس على الساحة السياسية، محليا وعربيا.
وكانت (إسرائيل) تبتز الرئيس عباس بأنه يتحدث باسم الضفة فقط، أما اليوم فالمقاومة أكدت أنه يتحدث باسم الجميع، وإن كان واضحا أن الأمور اختلفت حديثا، بعد حالة التعبئة التي تقودها السلطة وحركة فتح من أجل تبهيت انتصار المقاومة، وإفراغه من مضمونه.
ثم إن الانتصار أعاد ترتيب مستوى الأهمية لدى (إسرائيل)، فأصبحت المقاومة في غزة الرقم الأول قبل حزب الله وإيران، فضلا عن أن المجتمع الإسرائيلي صار يعتقد أن الملف الفلسطيني هو الأكثر تأثيرا على الكيان.
الانتصار بغزة، جعل (إسرائيل) تقف على عدة جبهات، ووضعها في أزمة غير مسبوقة، لا تستطيع منظومتها العسكرية استفزاز تلك الجبهات، خشية خوض حرب كبيرة لا تقدر عليها.
المحور الثالث، يتمثل في دولة قطر، التي أثمر وجود قادة المقاومة على أراضيها في أن يكون لها حضور إقليمي حقيقي، علما بأن قطر تعد من أكثر الدول التي تحرك القضايا العالقة وتناور فيها دبلوماسيا، إضافة إلى أنها تملك يدا قوية لها في المنطقة.
تركيا، تعتبر المحور الرابع الذي استفاد من نتائج الانتصار، التي شكّلت برفقة قطر حالة دبلوماسية رديفة للحالة الفلسطينية وأعادت الاعتبار لها، وكان لها حضور قوي، ثم إن (إسرائيل) كان تخشى أن تكون وسيطا وطرفا دوليا ضامنا للتهدئة مع المقاومة.
أما المحور الخامس، فيتمثل في جمهورية مصر التي أُعيد الاعتبار لها برعايتها لمحادثات التهدئة، التي كان بإمكانها أن تضاعف وتراكم الفائدة من انتصار المقاومة، لكن طريقة تعاملها أكد محدودية تأثير الدبلوماسية المصرية، التي نتجت بعد الانقلاب العسكري وعزل الرئيس محمد مرسي.
ومع حجم الاعتبار الذي أعاده انتصار المقاومة إلى محاور وجبهات عدة في الإقليم فإن غزة تنتظر من الإقليم نفسه والدول العربية أن ينصروا قضاياها، ويرفعوا الحصار عنها.