الانتخابات أولا ثم المصالحة، والذي جرى في الأيام الماضية ماذا نسميه؟، ثم من يأتي قبل من؟ هل المصالحة أولا أو الانتخابات؟، وهذا يعيدنا إلى جدلية بيزنطا: من قبل من الدجاجة أم البيضة، واليوم عباس يعيدنا إلى "دوخيني يا لمونه"، مرة مصالحة أولا وحكومة ثم انتخابات، واليوم الانتخابات قبل المصالحة، بهذا المنطق نسف عباس كل ما جرى في الفترة الماضية وعاد إلى جدلية الانتخابات!
طيب كلام سنعتبره مقدمة لتنفيذ الاتفاق حتى يكتمل المشهد وهو الانتخابات، لأن الاتفاق يقول تشكيل حكومة ثم مرسوم الانتخابات وموعدها وقانونها على قاعدة التوافق الوطني، والسؤال: حكومة التوافق معلنة ومشكلة منذ أكثر من أربعة أشهر ولم يعلن عباس عن مرسوم الانتخابات، والحكومة عقدت جلستها في غزة أي أنها بدأت تستلم زمام الأمور وانتهت حجة عدم سيطرة الحكومة، والآن ماذا ينتظر السيد عباس حتى يعلن عن مرسومه الرئاسي بتحديد موعد الانتخابات بدلا من الشكوى أمام وسائل إعلام لا تقدم ولا تؤخر؟ لأنها ليست الوسيلة للحديث عن الانتخابات والمصالحة، إن ما فعله عباس هو هروب من استحقاق الانتخابات من خلال الحديث عن مصالحة حقيقية مع حماس.
السيد محمود عباس صدع رأس الشعب الفلسطيني عن الانتخابات وأنه يريد انتخابات فلسطينية لكل المؤسسات وفق ما تم الاتفاق عليه وكان في كل مناسبة وبدون مناسبة يتحدث عن الانتخابات ليس حبا فيها بقدر النيل من حركة حماس وتحميلها مسئولية تعطيل الانتخابات وهو في نفس الوقت غير جاد تجاهها لأن لديه تخوف من نتائجها لو أجريت بشكل ديمقراطي وبحرية تامة وأنه يخشى أن تكون نتائجها مفاجأة كما حدث في 2006، لذلك عدم اطمئنان عباس للنتائج جعله يهمل قصة الانتخابات والآن يتمحك بهذه القصة لنفس الغرض وهو النيل من حركة حماس التي تعاطت بمرونة عالية في موضوع المصالحة وقدمت ما اعتبره محبوها أكثر ما يجب، ورغم ذلك لم تسلم بعد حماس من هجوم عباس عليها، وخير دليل على ذلك ما حدث بعد العدوان الأخير من هجوم صارخ على حماس. ولم يتوقف الأمر عند عباس وقامت جوقة الببغاوات بالعزف على الأوتار التي عزف بها عباس، والجميل أن حماس التزمت الصمت وطالبت ناطقيها وقياداتها عدم الرد والدخول في سجال، ولكن هذا لم يمنع عباس من مواصلة الهجوم، انتهى العدوان فكان الهجوم، وانتهى مؤتمر الأعمار فكان الهجوم والتفسير واضح ولا يحتاج اجتهادا.
والآن وطالما أن السيد محمود عباس حريص على الانتخابات التي ستفرز قيادة جديدة للشعب الفلسطيني شرط نزاهتها وديمقراطيتها وابتعادها عن التزوير والتدخل من الأجهزة الأمنية ، لماذا لم يصدر عباس مرسوم الرئاسة لتحدي الانتخابات طالما أنه يريد استكمال المصالحة والتي لن تتم وفق وجهة نظره إلا بعد الانتخابات. لو كان هذا الكلام صحيح لماذا لا يتم تحديد موعد للانتخابات؟.
هذا التأخير يؤكد عدم جدية عباس في إجراء انتخابات وإبقاء الأمر على حاله لا انتخابات ولا مصالحة حقيقية وكلما (حك الكوز بالجرة) نتهم حماس وننال منها والحجة الانتخابات وعدم تمكين الحكومة والحجج المختلقة كثيرة ولا تتوقف.
السؤال اليوم أين الفصائل الفلسطينية مما يجري؟، لماذا لا تقول لعباس تفضل واصدر مرسومك حتى يتم إجراء الانتخابات ولا داعي للتسويف والتأخير الناتج عن الخوف من الهزيمة في هذه الانتخابات خاصة بعد أن أظهرت نتائج الاستطلاعات الأخيرة أن أي انتخابات ستؤدي إلى فوز حماس وحتى المراكز الصهيونية تشير إلى هذه النتيجة؟، ولكن طالما أننا نؤمن بصناديق الاقتراع، ونؤمن بالديمقراطية، ونؤمن بتداول السلطة، ونؤمن بأن الانتخابات تجديد لدم مؤسسات صناعة القرار، وتمكين للشعب الفلسطيني في اختياره الطريق الذي يريد أن يسلكه والقيادة التي ستعبر به هذه الطريق، وعليه لماذا الخوف والتردد؟.