يحكى في التاريخ ان حربا جرت بين قبيلتين، ولما غلبت إحداهما في تلك المعركة قامت بسبي نساء القبيلة المهزومة واغتصابها، إلا امرأة واحدة تمكنت من التغلب على الجندي وقتلته ثم سحبته إلى مكان إقامتها واحتفظت به، ولما التقت النساء مع بعضهن البعض كي يتدارسن كيف يمكن لهن الخروج من هذه المصيبة وتبرير ما حدث لهن أمام أزواجهن، ولما التقينا مع بعضهن البعض، قالت تلك المرأة التي تغلبت على من أراد اغتصابها وشرحت للناس ما حيث معها وتفاخرت بأنها لم تمس من دونهن، نظرت النساء إليهن وكان القرار التخلص منها وبالفعل سحب تلك المرأة وقتلها حتى لا يكون من بينهن من لم تتعرض للاغتصاب وبذلك يكن متساويات أمام المجتمع ولا يسألن لماذا لم يفعلن مثل تلك المرأة.
هذه القصة تذكرني بما يفعله محمود عباس بالشعب الفلسطيني وقواه المختلفة التي تمثل تلك المرأة التي تمكنت من قتل من حاول اغتصابها ويريد أن يفعل بالكل الفلسطيني كما فعلت كل النساء المُغتصبات، عباس يريد من الكل الفلسطيني أن يسير على نهجه ولا يقبل من أحد أن يدعي شرف الصمود والتصدي للمشروع الصهيوني ويريد أن يعترف الكل الفلسطيني بصعوبة أي خيار غير خيار التنازل عن 78% من فلسطين التاريخية لصالح الاحتلال الصهيوني وإقامة علاقات جوار بين دولتين متجاورتين صديقتين متعاونتين.
الشعب الفلسطيني يرفض نهج محمود عباس الذي لا يسمع إلا صوته ولا يريد أن يسمع أحد كما عبر عن ذلك الناطق عن سياسته الهباش في خطبة الجمعة الماضية والذي أكد أن القيادة (محمود عباس) ماض في سياسته وليس بحاجة إلى القوى والفصائل، وهناك - مع الأسف- أكثر من شاهد قبل أن يتحدث الهباش عن هذا الموقف الذي لفت انتباه الجبهة الشعبية والتي أصدرت بيان مطالبة محمود عباس بالتوضيح.
من هذه الشواهد والأخيرة منها عندما ذهب عباس إلى المفاوضات الأخير التي رعاها وزير الخارجية الأمريكية، والتي استمرت لمدة تسعة أشهر وباءت بالفشل، وكان ذهابه منفردا ضاربا بعرض الحائط الموقف الجماعي لمنظمة التحرير الرافض لتلك المفاوضات، المثال الثاني هو صياغة المشروع الفلسطيني الذي قدم لمجلس الأمن ولم يستشر أيا من القوى والفصائل والتي علمت به من خلال الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي والتعديلات التي قيل أنها أدخلت على القرار بعد الانتقادات التي وجهت للمشروع أيضا لم يعلم بها أحد ولا يعلم ماهيتها.
هكذا يدير عباس الشأن الفلسطيني وعندما تعترض القوى والفصائل المنضوية تحت لواء منظمة التحرير تعترض لمجرد رفع اللوم دون اتخاذ مواقف حقيقية تشكل عاملا مؤثرا على سياسة عباس في التفرد والإقصاء، الذي يريد يجر الكل الفلسطيني إلى مربعه وسياسته وفرض سياسة الأمر الواقع.
هذا الأسلوب من القيادة عفا عليه الزمن، وبات لا يصلح لفلسطين وإن صلح في بلدان عربية أو دولية لأنها دول ذات سيادة ومستقلة ولكننا شعب لازلنا تحت الاحتلال. محمود عباس يريد أن يلوث الجميع بما لوث به نفسه حتى يتساوى الجميع معه ولا يتفضل عليه، لذلك هو اليوم يريد أن يتخلص كما تخلصت النسوة من تلك المرأة التي قتلت من حاول اغتصابها، وسواء كان هذا التخلص معنويا أو ماديا، هو تنازل ويريد من الجميع التنازل، هو لا يريد مقاومة ويريد التخلص منها تحت شعار نظام واحد وسلاح واحد؛ لذلك سعى أكثر من مرة نحو تدمير المقاومة من خلال التعاون مع الاحتلال، هو اليوم شريك في حصار غزة لأنه يعتقد أن هذا الحصار سيدفع المواطنين للتخلي عن المقاومة وهنا يمكن القضاء عليها.
ها هو محمود عباس يقول ذلك بصراحة ولا يخجل مما يقول، ويوظف الناطقين من حوله ليرددوا ما يقول، والسؤال: هل سنجد بعد كل هذا الوضوح موقفا فلسطينيا يضع حدا لهذا التفرد والإقصاء والدكتاتورية التي يقترفها عباس؟.
نحن اليوم أحوج ما نكون لسياسة الموقف الموحد والهدف الموحد والوسيلة الموحدة، نحن اليوم بحاجة إلى الوحدة وإنهاء الانقسام والذي بدأ فعليا عقب توقيع اتفاق أوسلو، فهل سيقتنع عباس بالوحدة على أساس الشراكة؟ أو هل سيسحب إليه والى مشروعه الكل الفلسطيني؟ نحن بحاجة إلى جواب عملي قريبا.