عائلة عماد افترسها الفقر والمرض

العائلة المستورة
العائلة المستورة

الرسالة نت - محمد أبو زايدة

مسح دموعه عن وجنتيه؛ بعدما ذرفها أمام أسرته، وقال بتنهيدة ممزوجة بالبكاء " تعبنا.. بدنا نعيش مثل البشر"، وكأنّه يُعيد كلمات الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش عندما ردد قائلًا "ونحن لم نحلُمْ بأكثر من حياةٍ.. كالحياة".

بيتٌ صغير في زقاقٍ ضيّق بمخيم الشاطئ غرب مدينة غزة؛ يحتضن في كنفاته قصة (عماد. م)، وزوجته صابرين؛ التي تحمل من اسمها زادًا لها في الحياة، وابنته الوحيدة دُنيا، جميعهم يصارعون الفقر للفوز بالبقاء.

"شو جابرك على المُر .. غير اللي أمر منه" مثلٌ شعبي ردده عماد (41 عامًا)، محاولًا مداراة رأسه عن أسرته. يغادر المكان لدقائق يغسل وجهه بالماء؛ ثم يعود ويتابع " بسبب خطأ طبي وأنا صغير صار معي مشاكل بالمشي".

خطأ طبي قبل أربعين عامًا تسبب في أولى مآسي عماد، يضيف " كسرت ابرة داخل إحدى عضلاتي وحاولت أمي ايجاد علاج لي لكن دون فائدة".

"الحمد لله" لم تفارق لسان الأربعيني، فمع كلِ جملة قالها خلال ساعة ونصف من عمر اللقاء كانت الحدث البارز فيه، ويحاول لملمة حروفه لصعوبة النطق لديه قائلًا "ما كنت شاطر بالمدرسة".

طيلة سنوات دراسته عانى من استهزاء زملائه بسبب تراجعه الدراسي، والسبب في ذلك يعود لعدم مقدرته على استيعاب الدروس، ووفق ما قال لنا إن بعض أعوامه الدراسية كانت تمتد ثلاث سنوات.

 وصل إلى مرحلة السادس الابتدائي وعمره يسبقه بأعوامٍ. أوقفته الوزارة عن التعليم، ولغاية في نفس والده سجّله في مدرسة "المعاقين". وفق عماد.

استمرت عجلة الأيام بالدوران، وخرج من المدرسة ليُحِيكَ حياته الخاصة، وكانت البداية في محل "خياطة"، لكنّ أصحابه استهانوا به وبعد أشهرٍ من العمل لم يتقاضَ فيها راتبًا، طردوه.

وعن مشوارهِ في العمل يسرد لنا أنّه تنقل بين الأعمال التي لم يوفق في كثيرٍ منها بسبب سخرية أطفال حيَّه منه، حتى عمل في إحدى شركات الألعاب، وبعدما أمسك بزمام العمل مباشرة قرر أهله تزويجه.

يستطرد "تزوجت وسكنت مع أهلي". ولكن المثل الشعبي القائل "يا فرحة ما تمّت" ينطبق على حكاية عماد؛ فقد اشتعلت الخلافات مع أهله.

ألقاه أهله خارج المنزل مع زوجته، ولم يعلم عماد أين المفر. أخذتهم أقدامهم إلى مستشفى الشفاء في غزة، استظلوا لأيامٍ تحت احدى أشجارها، وتناولوا بقايا طعام المرضى، حتى رأتهم عجوزٌ طاعنة في العمر، استضافتهم في بيتها لأشهر، وبعد وفاتها "عادت تفاصيل المعاناة من جديد".

"ذهبت للمستشفى وسألتهم عن عمل، دلوني على مسؤول هناك". ويتابع عماد "عملت عندهم في مجال التنظيف، واستطعت جمع بعض الأموال واستأجرت بيتًا".

استمر عماد بالعمل في مستشفى الشفاء، لكنّ (جلطة) في قدمه اليسرى أصابته، تسببت بثقل في مشيته أوقفت عمله لكونه لم يعد يستطع الوقوف لفترات طويلة كما يتطلب عمله، "وما زاد الطين بِلة"، إصابة زوجته بأمراضٍ مزمنة.

تقول زوجته (صابرين 36 عامًا)، التي لم تتوقف عن ادخال جوّ الفكاهة على الجلسة لكسر جمود الحديث، "طلع النا شؤون اجتماعية وبنأخذ 600 شيكل كل 3 شهور".

لم يسد مبلغ الشؤون ثمن ايجار المنزل الذي تراكمت ديونه لأربعة أشهر، إضافة لعلاج رب الأسرة وزوجته، على حد قول عماد. وعند سؤال صابرين عن أمراضها، تبسّمت بغصّة وعدّت "أعاني من أزمة في التنفس –الربو-، والسكري، وضغط الدم"، وتوقفت لبرهةٍ ثم أكملت وعيناها تغرغران "وأعاني من سرطان في الرأس".

تُحاول صابرين أن تُكابر أنّ ما تحمله من أمراض لا يهمها بقدر بقائهم تحت سقفٍ يسترهم، ولكنّ ابنتها دُنيا (17عامًا) عقّبت " كتير من الأوقات بنلاقيها مُغمى عليها".

ورُغم تعدد الأمراض التي تُعاني منها صابرين، إلّا أنّها تعمل خادمة في البيوت لتوفير إيجار البيت.

سقطت دمعتها رُغم مكابرتها، وتحدثت بشكلٍ سريع: "ننتظر رمضان لاننا نعيش على تبرعات أهل الخير".

وأنهت صابرين حديثها بقولها إن جيرانهم يقدمون لهم الطعام رأفة بوضعهم المعيشي، وفي كثير من الأحيان ينامون بلا طعام.

البث المباشر