غزة/ مها شهوان
ارتسمت البسمة على محيا الحاجة الستينية هادية حينما رزق ابن زوجها بفتاة أطلق عليها اسمها، فهي لم يكتب لها أن تنجب الأطفال حينما تزوجت من رجل أرمل لديه خمسة من الأبناء حتى تعهدت بتربيتهم التربية الصالحة.
"احمد الله بأنني رزقت بحفيدة من احد أبنائي الذين افخر بهم أمام الناس". بتلك الكلمات بدأت الحاجة هادية حديثها "للرسالة"، موضحة أنها تعبت وسهرت الليالي على أولاد زوجها الذين ينادونها بماما حتى خرجت منهم الدكتور والمهندس والأستاذ الجامعي الذين لا ينكرون فضلها عليهم.
وتابعت الحاجة هادية محتضنة حفيدتها الصغيرة:"لم يرزقني الله بأبناء فاكتفيت بتربية أبناء زوجي الذين يكنون لي الاحترام فقد سعيت كثيرا لأعوضهم حنان الأمومة التي افتقدوها ، وتغمرني السعادة حينما ينادونني ماما".
هناك العديد من زوجات الآباء اللواتي قمن بدور الأمومة لتعويض أبناء أزواجهن الحب والحنان فمنهن التي سهرت الليالي على راحتهم وأخريات احتضنتهم لتربيهم تربية تفخر بها أمام الجميع بعيدا عن تلك الصورة التي رسمتها وسائل الإعلام وتناقلتها الأجيال حيث زوجة الأب القاسية والظالمة التي لا مكان للرحمة في قلبها.
حنان وعطف
قاطعت دينا 22 عاما ابنة زوج الحاجة هادية الصغرى الحديث قائلة:" لم اشعر للحظة واحدة بأنها ليست أمي فهي من تعهدت بتربيتي حينما كان عمري شهرين فلا أناديها إلا بماما ،بالإضافة إلى أن الجميع يستغرب معاملتها لنا كما لو كانت أمنا الحقيقية ".
وتابعت:"لا أنسى تلك الليالي الطوال حينما كانت تسهر معي أثناء امتحانات الثانوية العامة حتى تخرجت وتفوقت"،مشيرة إلى أنها وأخواتها المتزوجات حينما يواجهن أية مشكلة يلجئن إليها .
لم تكن وحدها الحاجة هادية من احتضنت أبناء زوجها فهناك العديد من النساء اللواتي قمن بذلك الدور ومنهن أسماء عبد الحميد 29 عاما والتي تعلن حالة الطوارئ في بيتها حينما يقترب موعد الامتحانات المدرسية و ترفض استقبال الضيوف في تلك الفترة لتدرس أبناء زوجها الذين تعهدت بتربيتهم بعدما طلقت أمهم وسافرت إلى إحدى البلدان العربية .
وحملت أسماء ابنها الصغير على ذراعها قائلة:"لدي خمسة من الأبناء ثلاثة من زوجي ،ولكنني لا افرق بينهم في المعاملة ،فدائما أشعرهم بأنهم إخوة من بطن واحد "،مضيفة:حينما يخطئون أعاقبهم جميعا كي لا ينساقوا في الخطأ.
وأضافت:"كنت متزوجة من قبل ولم ارزق بأولاد لكني حينما تزوجت مرة ثانية قررت أن اشبع غريزة الأمومة داخلي بتربيتهم وتقريبهم مني إلى أن أكرمني الله بطفلين فزدت حبا لأبناء لزوجي لإدراكي معنى الأمومة الحقيقية"،موضحة أنها في كثير من الأحيان تسمح لهم بالاتصال بوالدتهم حينما يريدون ودائما ما تذكرها بالخير حينما يسألون عنها.
أما الثلاثينية حنين.ع والتي كانت متزوجة ومقيمة في النرويج فأنجبت طفلا حرمت منه بعدما طلقت من زوجها الذي تجرعت على يديه أشكالا من العذاب لتعود إلى القطاع وتتزوج مرة أخرى من رجل أرمل لدية بنت وولد لم يتجاوزا العشر سنوات.
وآثرت حنين أن تربي الولدين تربية صالحة ليعوضها حرمانها من ابنها وتقول:" كلما أراهما أتذكر ابني الذي هو بعمرهما حتى أسارع باحتضانهما وإعطائهما ما يريدانه من حنان وعطف ،فقربي منهما يخفف بعد ابني عني "،مبينة أنها تستجيب لطلباتهما لكن في حدود المعقول ،بالإضافة إلى أنها كثيرا ما تصطحبهما إلى بيت أهلها .
الخطوط الحمراء
من جهته ذكر الأخصائي الاجتماعي د.درداح الشاعر أن النظرة السيئة لزوجة الأب هي جزء من ثقافة المجتمع التي توارثتها الأجيال لان الكثير من زوجات الأب لم يصنعن خيرا بأبناء أزواجهن.
وعن مواصفات المرأة التي يمكن أن تقوم بدور الأم بين الشاعر انه من الضروري التفريق بين نوعين من الأمومة إحداهما الأم البيولوجية التي تنجب والسيكولوجية التي تربي وتحنو وتعطف وتقدر مشاعر الأبناء وتشعرهم بالقرب النفسي منها وتراقبهم وتوجههم لما فيه الخير مما يمكنها من أن تكون أما حقيقية وليست زوجة أب.
وبالنسبة لدور الأب في تحسين علاقة أبنائه بزوجته أوضح أنه من الضروري أن يتفق الأب مع زوجه على بعض الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها وذلك كأن تكون ودودة وقريبة منهم وتتصرف كأم وليست كزوجة أب .
وفيما يتعلق بكيفية استقبال زوجة الأب لفت الشاعر إلى ضرورة تهيئة الأبناء من خلال البوح لهم بان أماً ايجابية ستأتي لرعايتهم وتلبية احتياجاتهم، مشيرا إلى أن زوجة الأب نفسها تلعب دورا من خلال قيامها بدورها تجاه الأطفال على أكمل وجه.
الضوابط الشرعية
من جهته قال د. ماهر السوسي نائب عميد كلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية:"حرمة زوجة الأب لا تتجاوز حرمة الأم ،بالإضافة إلى أن الشرع اوجب لها حقوقا على أبناء زوجها تتمثل في برها ورعايتها والإنفاق عليها إذا كان الأب فقيرا".
في حين فان واجبات زوجة الأب تجاه أبناء زوجها كما أوضحها السوسي "للرسالة" تتمثل في الإحسان إليهم ومعاملتهم معاملة حسنة والقيام بما يساعدهم في حياتهم ،لاسيما إذا كانوا قاصرين ولا يستطيعون الاعتماد على أنفسهم في تدبير شؤون حياتهم.
وفيما يتعلق بكيفية تحسين صورة زوجة الأب السلبية أكد السوسي انه لا يتم إلا من خلال تحسينها لسلوكها وتصرفاتها مع الأبناء ،مشيرا إلى أن الانطباع السيئ عن زوجة الأب لم يأت من فراغ إنما من ممارساتها السيئة.
وطالب الجهات المختصة بضرورة تثقيف النساء المقبلات على الزواج من رجل لديه أبناء بأن الإحسان هو الطريق الصحيح لقلب الزوج ونيل احترامه وتقديره لها .
وبالنسبة للأب وما يلعبه من دور في تحسين العلاقة بين زوجته وأبنائه أوضح السوسي انه لابد للرجل أن يعلم زوجه كيفية التعامل مع الأبناء ويكون ناصحا أمينا ويبين لها أن المعاملة ترضي الله والإساءة تغضبه.
وفيما يتعلق بمعاقبة زوجة الأب لأبناء زوجها من الناحية الدينية لفت السوسي إلى انه إذا كانت مسئوليتها تربيتهم يجوز لها ذلك وفق الضوابط الشرعية .
وتبقى زوجة الأب الحنون هي الأم التي يقبل عليها أبناء زوجها وينتشلونها من عالم الوحدة إلى احتضانها حينما تكبر في العمر كالمثل القائل كما تدين تدان ،فمن تحسن لأبناء زوجها وتتقي الله تجني خيرا ومن تسيء لا تلقى إلا القسوة.