مقال: المساهمة الأوروبية في الاستعمار الإسرائيلي

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

حنين حسن

 

(الأوروبيون وغيرهم من سكان دول الغرب يتواطؤون بشكل أعمى في عملية التطهير الفعلي والعرقي للفلسطينيين) 

في الحادي والثلاثين من تموز لعام 2015، احرق الطفل الفلسطيني على دوابشة البالغ من العمر 18 شهراً حيّاً، في عملية حرق متعمدة تمت من قبل مستوطنين إسرائيليين، والتي استهدفت منزل عائلة الطفل الكائن في قرية دوما في الضفة المحتلة، واستشهد والده سعد دوابشة في الثامن من أغسطس متأثراً بحروقه.

من جهته، سارع الإعلام الإسرائيلي والغربي إلى قولبة عملية قتل الطفل الفلسطيني في إطار هجوم من قبل متطرفين يهود.

وتدفقت الإدانات واحدة تلوى الأخرى، ودعا الاتحاد الاوروبي الحكومة الإسرائيلية إلى عدم اظهار أي تهاون تجاه عنف المستوطنين وحماية المجتمع الفلسطيني المحلي.

 أنه تحديداً وفي هذا التقاطع تظهر المفارقة الساخرة التي تضرب في عمق مأساة الشعب الفلسطيني.

الاتحاد الأوروبي ضمنياً يٌكلّف الجيش الإسرائيلي-الذي يمثّل الاحتلال-بفرض سياسة حكومية في صالح المجتمع الذي تقوم باحتلاله.

في حين أنه في الوقت نفسه-ولعشرات السنين-يُظهر تهاون كامل تجاه السياسة الاسرائيلية الممنهجة لتوسيع الاستيطان.

على الرغم أن محكمة العدل الدولية كانت قد قضت بعدم قانونية المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية، إلا أن الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل؛ وهو الاتحاد الأوروبي، قد فشل في فرض أية قيود تجارية للتشديد ضد عملية بناء المستوطنات في المستقبل.

تحفيز الاستيطان

اليوم، هنُاك 125 مستوطنّة موافق عليها من قبل الحكومة الاسرائيلية، إلى جانب 100 مستوطنة أخرى غير رسمية، جميعها تُشكّل مسكناً ل547,000اسرائيلي في الضفة.

 في حين ضمت إسرائيل القدس الشرقية منذ عقود، قامت إلى جانب ذلك بتحفيز الاستيطان ل200,000 اسرائيلي اخر في اثنا عشر حيّاً، والتي ينبغي لها أن تصبح جزء من دولة فلسطين المستقبلية.

لكن ما هذا كله إلا بداية لهذا التناقض.

يعيش حوالي عشرة بالمائة من المواطنين الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلةـــ خارج الحدود المرسومة للدولة الاسرائيلية.

في القاموس الدولي يُشار إلى هؤلاء تحت مسمى "المستوطنين" اليهود، وهو المصطلح المرادف لكلمة" المستعمر"؛ من أجل التفريق المتعمد بين هؤلاء الذين يعيشون في المناطق المحتلة خارج الحدود الاسرائيلية وبين المواطنين الذين يقطنون داخل حدودها، على الرغم أن جميعهم يندرج تحت نفس العنوان الذي يطبّق بنشاط المساعي الاستعمارية الاسرائيلية.

يتزايد عدد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة بسرعة تفوق أربع مرات سرعة تزايد السكان داخل الحدود الاسرائيلية.

يهاجر المستوطنون إلى اسرائيل، ومن هناك؛ يمكن لهم أن يختاروا الاستيطان في الضفة انطلاقاً من امتيازات تُمنح لهم بموجب يهوديتهم.

"السكان الشرعيين"

يرى المستوطنون الاسرائيليون أنفسهم على أنهم السكان الشرعيين للأرض الفلسطينية. وهذا هو الجانب الرئيسي للستار الذي يٌسدل من خلال اساءة استخدام الصهيونية للديانة اليهودية لشرعنه ميولهم الاستيطانية والاستعمارية.

استمرارية تدفق المستوطنين مطلوبة لمواجهة "المشكلة الديموغرافية" الفلسطينية؛ كما يصفها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.

الحديث الاسرائيلي عن التهديد الديمغرافي الفلسطيني جعله عادياً لدرجة السماح بشرعنة العديد من القوانين والسياسات ذات المحتوى العنصري في طيّاتها؛ بهدف منع وعزل المجتمع غير اليهودي في فلسطين التاريخية.

إيجاد المزيد من المستوطنات هو أمر غير قانوني ويُشكّل عائقاً أمام تحقيق العدالة للفلسطينيين، هذا إلى جانب العائق الذي يشكّله مجرد وجود هذه المستوطنات في هذه المناطق.

يدور السباق الديمغرافي الاسرائيلي حول فرضية واحدة وهي كيفية انهاء التهديد الفلسطيني؟

على الهامش فإن الجواب التهكمي هنا أنه لن ينتهي.

الهدف الاسرائيلي السياسي والاجتماعي لبناء دولة يهودية كاملة؛ سيستمر في تصنيف الفلسطينيين كمشكلة وجودية، حتى أولئك الذين يحملون جنسيتها منهم.

ومع هذه الهيكلية، فإنه من الواجب على الغرب أن يعوا أن هجرة مواطنيهم إلى اسرائيل يحمل نتائج وخيمة للسكان الأصليين ــ وهم الفلسطينيين.

النمو الأٌسّي

مع النمو الأُسيّ المتزايد في عدد المستوطنات الاسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ هناك الحاجة إلى المزيد من المستوطنين لمليء المساكن الجديدة المقامة على الأرض المنهوبة.

استغلت اسرائيل آلية التطويع الخاصة بها، حيث أن أعداد "القادمين الجدد_أوليم"، الكلمة العبرية لمصطلح المهاجرين، الذين تم استيعابهم من قبل الوكالات اليهودية للتوطين في اسرائيل بلغت في عام2014 مستوى الزيادة الذي يحصل طبيعياً خلال 10 سنوات؛ حيث أن معدّل الزيادة هو 40% ما بين عامي 2013-2014.

وطنّت اسرائيل ما يزيد عن 24,000 قادم جديد خلال عام 2014. في حين تم استقبال 17,000 مهاجر في عام 2013. ما يزيد عن 50% منهم هم في الأصل قادمون من المملكة المتحدة، فرنسا وأوكرانيا، وجميعها دول أوروبية.

ويجدر الاشارة إلى أن جميع هؤلاء المهاجرين الجدد هم مزدوجي الجنسية ويحملون جوازين ويمكنهم الاستيطان في أي مكان في اسرائيل أو في المستوطنات المقامة في الضفة الغربية.

وكالات التطويع اليهوديةـــ الصهيونية التي تشرّع وتسمح بهذه العملية منتشرة في جميع المدن المركزية الاوروبية، الأمريكية، الكندية، الأسترالية ومدن الدول الغربية الأخرى. على سبيل المثال؛ تشهد الوكالة اليهودية لإسرائيل في أوكرانيا ارتفاع حاد بنسبة 190% في عدد الأوكرانيين المتطلعين للهجرة إلى اسرائيل، انطلاقاً من دوافع اقتصادية بالدرجة الأولى.

في الوقت الذي يتمتع به المستوطنون الجدد بالمميزات المقدمة لهم مستفيدين من دينهم وعرقهم لبناء حياة أفضل، تُلغي الحقوق اليهودية حقوق الفلسطينيين وتجعل ما يزيد عن خمسة مليون فلسطيني مسجليّن كلاجئين، منهم 1.5 مليون لاجئ يقطنون دول الجوار، وجميعهم ينتظرون العودة لديارهم منذ 70 عاماً.

المعادلة الصهيونية

المعادلة الصهيونية تبقى كالتالي: وصول مهاجرين جدد يعني الاختفاء-الفعلي والمعنوي-للفلسطينيين.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المدير العام لوزارة الشتات "دافير كاهانا" ووزير شؤون الشتات الاسرائيلي "نفتالي بينيت"_الذي زعم أنه قد قتل الكثير من العرب في حياته وليس لديه أي مشكلة في هذا، كانوا قد منحوا شركة تٌدعى "مبادرة من أجل مستقبل الشعب اليهودي" إقرار استثنائي "خاص" لتنفيذ برنامج وزارة شؤون الشتات والذي يهدف لإيجاد صلة بين يهود العالم من خلال ربط هويتهم اليهودية بدولة اسرائيل.

بينيت هو حليف نتنياهو في الحكومة الإسرائيلية الحالية، وبالتالي فإن هذه السياسات الاستيطانية ذات الطابع التطويعي الثابت، تصاغ في "تل أبيب"، وهي الهيئة الرئيسية وراء المشاريع التوسعية الاسرائيلية في الضفة.

منذ عام 2004، قام المستوطنون بشن ما يزيد عن 11,000 اعتداء ضد الفلسطينيين ضمن حصانة كاملة، لترتفع نسبة عنف المستوطنين الاسبوعية ل165%، مُخلّفة ضحايا في صفوف الفلسطينيين وتدمير للممتلكات، بما في ذلك المنازل والمساجد والكنائس.

تطويع المزيد من المستوطنين للمزيد من هذه المستوطنات الغير قانونية يعني المزيد من الجرائم التي ستُرتكب ضد الفلسطينيين، مع استمرارية أوروبا وأمريكا في إضفاء الطابع المؤسسي على الاحتلال. وبدون شك، سيستمر الأطفال الفلسطينيون المحرقون في دفع الثمن.

اسرائيل بحكومتها وجيشها ومستوطنيها هي جميعها واحدة وكلها خارجة عن السيطرة.

العدالة المفقودة

إنه من الصعب على المرء أن يجد فرقاً بين قتل القناص الاسرائيلي في رام الله للطفل الفلسطيني ذو ال16 ربيعاً، ليث الخالدي، الذي كان يحب تربية الأرانب ولعب كرة القدم والبيانو، وبين قيام جنود جيش الاحتلال الاسرائيلي بتكبيل الشاب مجدي المحتسب في الخليل وضربه ثم اجباره على شرب الكاز.

وفي نوفمبر من عام 2014، وُجد الفلسطيني ذو ال32 عاماً؛ يوسف الرموني، مشنوقاً في الحافلة التي كان من المفترض أنه يقودها في احدى مقاطعات مدينة القدس بالقرب من المستوطنات اليهودية. وبالعودة إلى الوراء بشهر واحد فقط من تلك الجريمة، نوثّق جريمة أخرى راحت ضحيتها الطفلة ايناس خليل البالغة من العمر 5 أعوام فقط بعد أن تم دهسها بسيارة من قبل مستوطن يهودي في قرية "سنجل" في الضفة الغربية.

يشار هنا إلى أنه لم يتم جلب أي من هؤلاء الجناة إلى العدالة، بل وتتفشى جرائم هؤلاء المستوطنين_ على مدار عقود_ بمساعدة نظام صمم خصيصاً لتسهيل تنفيذ هذه الهجمات الإرهابية، وهو نفس النظام الذي خوّل ومكّن من قتل 530 طفل فلسطيني في قطاع غزة خلال عدوان يوليو من العام الماضي.

الدعم والتمكين لهؤلاء المستوطنين يأتي من القادة السياسيين أنفسهم الذين يعملون على تحويل الأيديولوجيات التوسعية إلى حقائق على أرض الواقع.

هذه الحقائق أدت إلى انتزاع ملكية الفلسطينيين لأرضهم، حياتهم وحتى أجسادهم.

يعاني الأطفال الفلسطينيون على نحو كبير نتيجة استمرار الاحتلال الإسرائيلي، ولكنهم يعانون أيضاً من التسهيلات الامريكية والغربية في تيسير الاستيطان والأسلحة وأعوام من التغطيات الدبلوماسية على جرائم الاحتلال وحمايتها من أية مساءلة حقيقية لما تقوم به من ممارسات إرهابية ضد الفلسطينيين.

البث المباشر