قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: الضفّة الغربيّة تواصل الاشتعال رغم الإجراءات الإسرائيليّة

عدنان ابو عامر
عدنان ابو عامر

د. عدنان أبو عامر

ما زالت الضفّة الغربيّة تشهد توتّراً بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، وتشهد تصعيداً في العمليّات المسلّحة ضدّ الإسرائيليّين، حيث زعم الأمن الإسرائيليّ أنه أحبط 111 عمليّة في الأشهر الـ7 الأخيرة، معظم مخطّطيها من حماس، وأكّد رئيس جهاز الشاباك يورام كوهين حصول زيادة على ما أسماه "العنف الشعبيّ" بين الفلسطينيّين، على الرغم من إحباط (إسرائيل) عمل 60 خليّة مسلّحة تابعة لحماس وتنظيمات أخرى منذ مطلع عام 2015.

وقد شهدت الأسابيع الأخيرة زيادة ملحوظة في العمليّات المسلّحة ضدّ الإسرائيليّين في الضفّة الغربيّة، بين طعن ودهس وإطلاق نار، وعشرات المواجهات بالحجارة والزجاجات الحارقة، ممّا يعني التسبّب في فقدان الأمن للإسرائيليّين، رغم كثافة الإجراءات الأمنيّة الإسرائيليّة، وهو ما ترغب فيه حماس.

تمثّلت أهمّ جهود (إسرائيل) لمنع العمليّات المسلّحة في الملاحقة الأمنيّة لنشطاء حماس، وتكثيف حملات الاعتقالات ضدّهم، وأسفرت عن اعترافات بأنّ حماس أرادت استئناف نشاطاتها المسلّحة، بإنشاء قيادة مركزيّة وإقامة بنية تحتيّة واسعة في الضفة الغربية، تشمل تعيين قادة مناطق، وتهيئة الأرضيّة لعمل عسكريّ.

وطالب وزير الأمن الداخليّ السابق "آفي ديختر" بإيجاد حلّ لمواجهة عمليّات الطعن المتزايدة في الضفّة ضدّ المستوطنين، بالفصل بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين على الطرقات، ووضع الحواجز العسكريّة، وإخضاع الفلسطينيّين للفحص الأمنيّ عليها، ليس هذا الحلّ جديداً، فقد طبّقه الجيش أواخر 2005، على طرقات الضفّة، وحرم المركبات الفلسطينيّة من السير على الطرقات التي يستخدمها المستوطنون، ووضع الحواجز العسكريّة، وأغلق بالإسمنت والحجارة العديد من مداخل المدن والقرى لمنع تنفيذ العمليّات المسلّحة.

مع العلم أن الجغرافيا العسكريّة للضفّة الغربّية تشجع على تنفيذ عمليّات مسلّحة ضدّ الإسرائيليّين، من حيث التصاق البلدات الفلسطينية والإسرائيلية، وعدم وجود فواصل جغرافية طبيعية بينهما، كالجبال أو الأودية أو الحدود، مما يساعد على الاحتكاك الدائم بين الفلسطينيّين والإسرائيليين في الطرقات والشوارع، ممّا يفسح المجال أمام استهداف الجنود والمستوطنين، والانسحاب فوراً من مكان العمليّة، والعودة إلى البلدة الفلسطينيّة، ويجعل من الصعوبة بمكان على أجهزة الأمن الإسرائيليّة العثور على المنفّذين في كلّ عمليّة أو إلقاء القبض عليهم.

كما أنّ تزايد الإجراءات الإسرائيليّة يتزامن مع تنامي المقاومة في الضفّة الغربيّة، التي تمثّل خطراً حقيقيّاً على الجيش والمستوطنين، وهي قادرة على ضرب أمنهم الشخصيّ، ممّا يجعل الجيش مستعدّاً إلى استخدام أقصى أنواع العقوبات الجماعيّة لوقف العمليّات وردع الفلسطينيّين بكلّ ثمن.

إجراء آخر تقوم به المخابرات الإسرائيليّة منذ بداية عام 2015، لمنع تنفيذ العمليّات المسلّحة في الضفّة الغربيّة، يتعلّق بوضع كاميرات المراقبة في الشوارع لتصوير منفّذي العمليّات، حيث تنتشر في شكل مكثّف، وهي كاميرات رقميّة موصولة بالإنترنت، لا يتجاوز ثمن الواحدة منها الـ100 دولار أميركيّ، وهناك مئات من كاميرات المراقبة المنتشرة في الضفّة الغربيّة على مفارق الطرقات والجسور، ومداخل المستوطنات، ومحطّات تعبئة الوقود، والحواجز الإسرائيليّة على مداخل المدن، وهذه الكاميرات مركّبة في  كلّ الاتّجاهات والزوايا، وقد أدرك المسلّحون الفلسطينيّون خطورتها، ممّا جعلهم يحاولون التهرّب منها خلال تنفيذ عمليّاتهم.

المسلحون الفلسطينيون حين يخطّطون لعمليّة مسلّحة، يعدون لرسم خرائط لكاميرات المراقبة، لتجنّبها، للانسحاب بعد تنفيذ العمليّة، لكنّهم فوجئوا أحياناً خلال إحدى العمليّات بكاميرات سريّة غير ظاهرة، ومموّهة بطريقة ذكيّة بين أشجار الصنوبر، يصعب على المارّة ملاحظتها.

جديد الإجراءات الإسرائيليّة لملاحقة منفّذي العمليّات، أنّ الجيش يراقب الفلسطينيّين على شبكات "فايسبوك" و"واتس آب" عبر شركات تكنولوجيّة، مع العلم أن لدى المخابرات الإسرائيليّة إمكانات استخباريّة تخترق شبكات التواصل، لأنّ بنك أهداف الجيش الإسرائيليّ يعتمد كثيراً على الجوانب التقنيّة، مع صعوبة تواصل أجهزة المخابرات مع العملاء وجهاً لوجه، وهناك وحدة في الجيش الإسرائيليّ تضمّ متخصّصين في الجوانب التقنيّة للتجسّس على اتّصالات الفلسطينيّين ومحادثاتهم.

وهكذا، تشير الإجراءات السابقة إلى أنّ أجهزة الأمن الإسرائيليّة تبذل جهوداً بنسبة 100% لمنع تنفيذ العمليّات المسلّحة الفلسطينيّة، لكن ليس في الضرورة أن تحصل على نتائج 100% في ضوء توافر جهود مضادّة تقوم بها حماس وباقي الحركات الفلسطينيّة، ممّا يجعل الضفّة الغربيّة قابلة لأنّ تشهد مزيداً من العمليّات العسكرية المسلحة في الفترة المقبلة.

البث المباشر