مقال: عودي أيتها الغادرة

الكاتب أ. وسام عفيفة
الكاتب أ. وسام عفيفة

أ.وسام عفيفة

كانت الغرفة مظلمة؛ إلا من شعاع تسلل عبر النافذة مع شروق الشمس؛ ليضيء جانبا من وجهه وهو يجلس القرفصاء على سريره، بينما لمعت حبات العرق في الجانب المضيء من وجهه، وكلما مسح جبينه بالمنشفة تمتم بكلمات بعصبية:
"لقد تأخرت كثيرا اليوم، لم يعد الوضع يطاق.. أن تغيب هكذا دون إنذار، لقد أصبحوا يتعمدون تأخيرها كل يوم حتى يسلبوا ما تبقى من عقلي".
كانت عيونه منتفخة، فهو لم يذق طعم النوم طوال الليل، والعرق لم يترك شبرا في جسده إلا واستولى عليه، ما أجبره أن يتخفف إلا من ملابسه الداخلية.
 عاد يمسح رقبته بالمنشفة وكأنه يخاطب أحدا في الغرفة: "حتى عندما كانت تتأخر كان الظرف مختلفا، هم يعلمون أننا لا نستطيع أن نستغني عنها في مثل هذه الأيام"... ثم يواصل بنبرة حادة: "كل واحد يتحكم بها كيفما شاء، يريدون إذلالانا من خلالها، لابد أن يضعوا حدا لهذه المهزلة، إذا استمر غيابها لن أتمكن من الذهاب للعمل اليوم".
في تلك اللحظة دلفت إلى الغرفة طفلته وهي ترتدي "مريول المدرسة" وقد تدلت ضفيرتاها على وجهها فزادتا من جمال براءتها، وبصوت خافت خجول قالت: "بابا أعطيني شيكل كما وعدتني أمس".
 نظر إليها وهو يمسح عرقه بيده: "ليس معي فكة اليوم يا حبيبتي، غدا سوف أعوضك".
ردت الطفلة بضجر وكأنها اعتادت سماع هذه الإجابة:" أنت كل يوم تضحك علي وتقول لي لا توجد معك فكة".
في تلك اللحظة بدا وكأن درجة حرارة جسده قد تضاعفت، ما زاد من غزارة العرق مع انتفاخ أوداجه واحمرار أنفه، وهو يصرخ في وجه طفلته ملوحا بيده: "انقلعي خارجا أصبحت قليلة الأدب".
استدارت الطفلة وقد ملأت الدموع مقلتيها.. كانت تتحدى نفسها فهي لن تبكي أمامه، ربما أشفقت عليه ولم ترد أن تزيد همومه، أما هو فقد سلط نظره عليها وهي تخرج من الغرفة كسيرة، وقد لمح الدموع في عينيها.. لحظات حتى سالت على وجنيته دمعات اختلطت مع حبات العرق، بينما شعر بضيق في صدره وهو يعاتب نفسه: ما ذنب هذا الملاك الصغير كي تفرغ غضبك وعجزك في وجهها، هي ليست المسئولة عن تأخير راتبك لشهور، وهي ليست السبب في غياب تلك الملعونة حتى اللحظة.
وضع رأسه بين ركبتيه ينتحب، حتى شعر بتيار هواء شديد يحاول طرد حبات العرق.. أفاق من وجومه ليجد المروحة قد أسعفته.. مسح دموعه وقال بغضب: "الآن عدت أيتها الغادرة بعدما أزهقت روحي". 

 

البث المباشر