في الوقت الذي أجبر أشقاؤنا العرب أن يهاجروا من أوطانهم ويتحولوا إلى لاجئين هربا من الخوف والقهر والحرب والطائفية، قررنا نحن الفلسطينيين أن نلامس حدود العودة، وأن نواجه البندقية ونهاجم المستوطن ونخترق الجدران والسياج ونتصدى للمؤامرة، ثم ابتدعنا سلاحا جديدا اسمه الموت، صنعنا منه كمائن وحواجز وامتطيناه في عمليات الكر، وأخفيناه في الكوفية السمراء، حتى احتار الاحتلال كيف يصنع سلاحا مضادا، ولم يعد بمقدوره أن يحدد أهدافا يقصفها أو مخازن يدمرها، وفشلت أجهزت الأمنية في كشف مسلح الموت لتعتقله.
وبينما تنتظر الجماهير العربية القائد الملهم، والزعيم المخلص، والرئيس المؤمن، بعدما تسلط عليهم عبر عقود الطغاة والسفاحين والساديين، نفض الفلسطيني يده منذ زمن، وتحول إلى ملهم ومخلص ومؤمن، وتولى قيادة المعركة والميدان بنفسه، واكتفى بأن يحظى بلقب "البطل"، والفدائي، وهكذا تسير انتفاضة القدس اليوم بالدفع الذاتي، تستمد طاقتها من الاحتكاك والاشتباك، وهي بذلك تقدما نموذجا جديدا للشعوب العربية التي اختطفت ثوراتها، واغتصبت آمالها... فلم يعد بالإمكان انتظار من يقودك ويجندك أو يحرضك ويثورك، ففي قهرك وألمك وصبرك ما يكفي أن يفجر غضبك.
بالمناسبة لا تختلف (إسرائيل) كثيرا عن قادة عرب ولصوص الثورات، فرغم أن الفلسطينيين والشعوب العربية يؤمنون أنه لا يمكن أن يتحول القرد إلى غزال، إلا أن (إسرائيل) وحلفاءها لا يزالوا يعتقدون أنه يمكن للقتيل أن يحب قاتله، الفرق أن قدر الفلسطيني أن يقاوم المحتل بينما قدر الشعوب العربية أن تحارب أنفسها، وان تقاتل نيابة عن أعدائها، وان تموت دون أن تدري فيما قتلت، وكأنها تعيش فتن آخر الزمان لهذا قالوا في الأمثال: "اللى يشوف بلاوى الناس تهون عليه بلوته"