في الذكرى الخمسين لانطلاقة حركة فتح، بات لشعبنا الحق في كشف حساب واضح وصريح من حركة فتح، لجهة الوقوف على مدى تحقيقها لأهدافها، بدءا من هدف تحرير فلسطين وقيام الدولة، ومدى تحملها للمسؤولية عما آلت إليه الأمور، لأنها منذ انطلاقتها وهي تقول إنها ستحرر فلسطين، ولأنها سيطرت على منظمة التحرير وكأنها الفاعل الوحيد في الساحة الفلسطينية.
في كل عام يدور لغط وحديث كثير عن إقامة مهرجان انطلاقة حركة فتح من عدمه وشكله ومكانه، لكن وبكل أسف لا يدور أي حديث حول مسار ومصير حركة فتح بعد خمسين عاما على انطلاقها دون أن تحقق أي من الأهداف التي انطلقت من أجلها.
ما يشغل حركة فتح هذه الأيام هو المؤتمر السابع، إن كان سيتم عقده أم لا، ومكان الانعقاد وهوية المشاركين. الخ، دون التفكير بأي مراجعة استراتيجية شاملة لكل أوضاع الحركة المنقسمة على نفسها في الداخل وفي الشتات.
تطبيقا للمثل القائل رمتني بدائها وانسلت، تواصل وسائل الإعلام التابعة لحركة فتح بالدندنة على وتر فشل حركة حماس في إدارة الحكومة، وعلى فشل محاولتها الجمع بين الحكومة والمقاومة، وتناست حركة فتح أنها لا زالت تصنف نفسها هي الأخرى كحركة مقاومة شأنها شأن حركة حماس، دون أن نلمس أي محاولة جادة من حركة فتح لأي مراجعة فكرية، أو أي مراجعة خارج حسابات السلطة والمنافع والاستحقاقات التي أودت بالبندقية في مجاهل النسيان، في الوقت الذي تقوم فيه "إسرائيل" بإعدام غصن الزيتون الذي رفعه ياسر عرفات كل يوم على الحواجز التي تقطع أوصال الضفة المحتلة.
المراجعة الاستراتيجية، أو الالتفاتة المستحقة لحركة فتح على مشوار نصف قرن من مسيرتها باتت أيضا من أحلام الماضي، نظرا لافتقار الحركة إلى القادة التاريخيين الذي غيبهم الموت، وغياب المفكرين الوطنيين الذي لم تلوثهم أدران السلطة، حيث بات استحقاق عقد المؤتمر السابع للحركة كإرث كرنفالي لا أكثر، فالحل لا يكمن في تغيير مواقع بعض الأشخاص، بل في تجلية الرؤية الضبابية التي تشتت مسارها، وفي حسم الخلافات الداخلية التي تقسم الحركة، لتقوم بدورها الريادي من جديد.
فهل ما زالت فلسطين في نظر حركة التحرير الوطني فتح هي فلسطين من البحر إلى النهر.!، علما أن حركة فتح ما زالت تفاخر بأنها لم تعترف "بإسرائيل " وأن من اعترف هو منظمة التحرير، رغم أن حركة فتح هي العامود الفقري للمنظمة. !!، أم أن خيارات السلطة في دولة بين حدود المستوطنات غلبت على خيارات حركة فتح. !!.
كيف لا وتنظيم حركة فتح العريق بات يقتات تطفلا على أموال السلطة، ما جعل منها شاهد زور على اتفاقات السلطة وممارساتها المخجلة خصوصا بما خص التنسيق الأمني مع الاحتلال.
فهل يكفي حركة فتح رفع راية الوطنية الفلسطينية مبررا لوجودها بل واحتكارها منظمة التحرير دون الفصائل الأخرى التي باتت ربما أكثر شعبية وتنظيما وقوة من حركة فتح. !!.
لم تعد حركة فتح وحدها تمثل النقيض الرئيس "لإسرائيل" ومشروعها الصهيوني، فالمشروع الوطني أكبر من فتح وأكبر من أي فصيل آخر، ولم تعد منظمة التحرير في ظل تفرد حركة فتح بذات الثقل أو القيمة، في الوقت الذي باتت أغلبية الفصائل والقوى تناقض حركة فتح وتوجهاتها وخيارتها السياسية الفاشلة.
كما توشك قصة الفصيل الأكبر الذي يتغنى به الإعلام الفتحاوي أن ينضم إلى قائمة الخرافات التي كفر بها الشعب الفلسطيني، فأي فصيل كبير هذا الذي تعصف به الخلافات، وأي تماسك تنظيمي هذا وأبناء فتح يضربون بعضهم في كل تجمع أو احتفالية ...!
لم تعد حركة فتح تعبر عن الهوية الوطنية وعن السعي للدولة المنشودة، فبقاءها بات في نظر الكثيرين مرتبطا ببقاء الاحتلال، ولم تعد قادرة على الاستمرار في التعبير عن الوطنية لعدم قدرتها على اشتقاق وسائل نضالية ضد الاحتلال عدا المفاوضات التي باتت معبدا ومعبودا لدى رئيسها محمود عباس.
حركة فتح باتت للرائي ملكية خاصة لقادتها الهرمين، وباتت ترزح كما فلسطين تحت وصاية وسطوة قيادة التنظيم التي تكرس كل جهودها وإمكانياتها ليس لدعم مسيرة التحرير أو دعم الانتفاضة بل ليستمروا في مواقعهم، حتى ولو خربوا بنية التنظيم، ليصبح الفوز في انتخابات المؤتمر السابع هدفا وغاية.
ليست فلسطين وحدها التي تحتاج إلى انتفاضة، فحركة فتح باتت تحتاج أيضا إلى انتفاضة داخل صفوفها، لجهة القيام بمراجعة استراتيجية على كافة المستويات، انتفاضة تنهي الخلافات الفتحاوية الداخلية، وتحسم خياراتها المصيرية حيال المفاوضات وحيال العودة لخيار المقاومة الذي رفعت رايتها الأولى.