عندما تطفح الأزمات، ويعكر صفو الحياة باشتداد الحصار، تتربع "نون النسوة"، لتحرك سكون الواقع، وتغير قواعد المعادلة، في واختراع تدفعهم اليه الحاجة في غزة المحاصرة التي تحرم من أبسط المواد الاساسية.
ورغم مرارة الواقع الذي يعيشه القطاع، وصعوبة الحياة فيه، تقدمن اربعة من فتيات قسم الهندسة في الجامعة الإسلامية في محاولة لحل أبرز الأزمات التي يعاني منها القطاع وهي نقص مواد البناء وخاصة الاسمنت, فانتزعن من المياه العادمة، مادة جديدة لبناء القطاع المحاصر.
بناء تغلبن عليه من خلال تشييد مادة اسمنت، تم انتاجها من مخلفات المياه العادمة، التي باتت تغرق احياء كثيرة في غزة بفعل سياسات الاحتلال ومن ساعده في اغراق الحدود الجنوبية للقطاع بتلك المياه.
الطالبات الاربع رنا حسين، ونور أهل، وأسماء سمعان، دينا العثامنة، وجميعهن من قسم الهندسة البيئية في الجامعة الإسلامية، استطعن انتاج مادة الاسمنت من مخلفات المياه العادمة، وتحويلها الى مادة صالحة للتشطيبات الداخلية، والمساعدة في البناء.
فكرة المشروع نهضت به الفتيات الأربع اللواتي اجتمعن بقيادة المشرف الجامعي الدكتور رمضان الخطيب، في محاولة لتحدي الحصار المفروض على قطاع غزة منذ عقد كامل، والمتخم بالقضايا والمشاكل البيئية وفي مقدمتها مشاكل المياه العادمة وتكدس النفايات الصلبة.
في مقر المختبرات بالجامعة الإسلامية، عكفت الطالبات على شرح المشروع بحضور الرسالة، لتروي بين ثنايا التقرير قصة ابداع، تمثلت في تحويل المواد الصلبة المضرة للبيئة الموجودة في المياه العادمة، الى مادة اخرى تكون صالحة لـلبناء، وفق ما أوضحته الطالبة اسماء سمعان.
وتقول سمعان لـ "الرسالة نت"، إن العمل بدأ على تحويل هذه المواد التي تتسبب بأضرار جسيمة للبيئة وخاصة الخزان الجوفي، وتؤدي الى حدوث امراض مسرطنة، لـمادة اسمنتية.
لم يكن طريقهن سهلا، فمختبرات الجامعة التي تعافت لتوها من آثار القصف والتدمير في العدوان الاخير صيف عام 2014، لا تزال تفتقد الامكانيات التي تساعد الفريق على انجاز المشروع في مدة قصيرة، خاصة في ظل الاغلاق المشدد للمعابر خاصة من الجانب المصري، كما تقول اسماء.
ولعل من أشد التحديات التي واجهت الطالبات في مشروعهن عدم وجود جهاز خاص يمكن أن يوفر درجات حرارة تصل لـ 1000 درجة س، وهو تحد فرض عليهن جهدا ووقتا مضاعفين، بحسب ما تحدثت به الطالبة نور أهل لـ "الرسالة نت".
ويعمل المشروع بحسب اهل على تحقيق هدفين الاول القضاء على مشكلة بيئية تتمثل في المياه الصلبة الـعادمة والثانية ايجاد بديل للإسمنت المصري والاسرائيلي في ظل الحصار الخانق، وتوفير فرصة اقتصادية تغني القطاع من حالة الابتزاز السياسي الذي يتعرض له من الاحتلال.
ومع تكرار التجربة تمكن فريق العمل من الوصول الى النتيجة المرجوة، واستحداث المادة التي تمتلك صفات الاسمنت، وتمكن من الوصول الى نسبة مثالية من المادة.
هنا تدخل الدكتور الخطيب ليشرح طبيعة هذه المادة، التي تقوم بذات المواصفات الخاصة بمادة الاسمنت، وفق المعايير الامريكية، وهي صفات تؤهل المادة لتكون بديلا حقيقيا للتشطيبات والبناء.
لكن حاجة المادة الى أجهزة كبيرة للحرارة والغليان، وعدم توفر المواد المخبرية النموذجية على مواصفة أجهزة كبيرة يمكن من خلالها استخلاص كميات اسمنت تجارية تكفي للسوق، كل هذه معيقات تجعل من المشروع حبيس المختبر ما لم تتبناه جهات حقيقية تعمل على تفعيل المشروع، كما يقول الخطيب.
وأيًا كان مصير المشروع وامكانية الاستفادة من التجربة، الا ان الفتيات الاربعة استطعن إلقاء حجر في المياه الراكدة في القطاع، في أبلغ رسالة تحد ومقاومة يمكن البوح فيها أمام عالم يشدد في كل لحظة من حصاره لغزة.
وقد أحرز فريق العمل امتيازًا في تقديره على هذا المشروع، بينما حصد الاحتلال ومن يعاونه صفراً أمام ارادة فتيات دفعن بـ "نون" النسوة إلى عرش الابداع والتألق.