صوت أقدامٍ تكسر صمت عتبات الدرج، وكلمات "ألف مبارك" تصدح من حناجر الأقارب والجيران، وربُ الأسرة ما فتئ يوزّع ابتساماتٍ مناديًا على صغيره أن يجول على المهنئين؛ مفتخرًا بنجاح ابنته؛ وينثر عليهم الفرَح كما الحلوى.
ومن خلف الباب، دخلت الجدّة تردد عبارات الشكر لله على ما وصلت إليه حفيدتها، وتنظر للجميع مفتخرة تقول: "ما أغلى من الولد إلّا ولد الولد.."، وكررت جملتها حتّى نادت بصوتٍ عالٍ: "نادولي داليا أبوسها من بين عيونها.. رفعت راسنا كُلنا.. الله يرضى عليك يا حبيبة قلبي".
لحظاتُ الترقّب والخوف التي عاشتها الطالبة داليا السنوار أثناء سماعها لصوت رنين جوّالها؛ منذرًا بوصول رسالة نصية؛ تغيّرت فجأة إلى صوت زغاريدٍ ومباركاتٍ ودمعة فرحٍ غمرت فؤادها؛ لا سيّما بعدما قرأت نص الرسالة: "مبروك نجاحك، معدّل التوجيهي الخاص بك هو 99.6%".
دقائق معدودات هي التي فصلت بين رنّة الرسالة، ونغمة الاتصال التي لم تتوقف طيلة الساعات العشر الأولى لإعلان النتائج، ومن أبرزها اتصالٌ أثلج صدرها بتتويجها الأولى على قطاع غزة بالفرع العلمي؛ والثانية على مستوى فلسطين.
تقول داليا: "قبل إعلان النتائج كُنت أتوقّع أن أحصل على مثل هذا المعدّل، لكن الساعات الأخيرة كانت حاسمة، وشديدة التوتر؛ لا سيّما أن العُشر له موازينه في المنافسة".
تتحدّث بنبرةٍ توحي بأنّها لا تزال تعيش في "غيبوبة الفرح"، تقول: "لمدرستي –ممدوح صيدم الثانوية للبنات في النصيرات-بصمة في حياتي التعليمية، ولها فضل كبير بهذا التميّز الذي حققته على مستوى فلسطين".
ولدرج منزلها حكاية، فستُة أدوارٍ فوق الأرض شهدتها قدما داليا أثناء عودتها يوميًا من اختباراتِ الثانوية العامّة، والتي تزامنت معظمها مع انقطاع التيار الكهربائي على غزة، لكنّها صنعت من ذلك تحديًا لتميزها.
تتابع: "انقطاع الكهرباء على منطقتنا؛ جعلني أتحداها سواءً في دراستي بأجواء شديدة الحرارة، أو حتى على ضوء الكشافات "الليدات"، ولكن كانت تقف لي بالمرصاد أثناء انقطاعها عن منطقة سُكناي الواقعة في الطابق السادس بحي النصيرات، والذي دومًا ما كُنت أعود من مدرستي متعبة والمصعد الكهربائي متوقّف عن العمل فأصعد حتى أصل خائرة القوى".
وأمّا عن تنظيم وقتها أثناء فترة الدراسة للثانوية العامة، فتقول: "توجيهي كأيّ سنة دراسية، بلا خوفٍ أو حرمان من كسر روتين الدراسة، فلم أترك الفيس بوك قبل تقديم الاختبارات، أو حتّى أثناء المراجعة النهائية".
أكثر ما يجذبها لمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"؛ هو تواصلها مع صديقاتها عقب عودتها من تقديم الاختبارات، ومراجعة ما قدّمت في ورقة الامتحانات، ووضع علاماتٍ تقديرية لها.
تتحدث: "جمعت علاماتي بعد كل اختبارٍ، وكانت نتيجتي التي حصلت عليها؛ مطابقة تمامًا لحساباتي التقديرية.. والحمد لله لم أجد في حياتي طعمًا للفرحة؛ مثل فرحة النجاح".
ترسم داليا طموحًا لها، ومع صبيحة كُلِ يومٍ ترى نفسها في ثوب الطبيب الذي ينتشل مرضاه، ويقدّم لهم "كلمة طيّبة، وعلاجًا حسنًا".
تُنهي داليا حديثها مع "الرسالة" بقولها: "خططت لنفسي منذ سنوات أن أدرس الطب البشري، فهي مهنة إنسانية ووطنية، لا سيّما أننا نعيش في بؤرة مليئة بالنزاعات والحروب، وهي بحاجة لكل من يداوي جراحات الشعب، وسأكون الأوفى لذلك بإذن الله".