د. الساعاتي.. تنقل بين حقول التاريخ والإعلام واللغة

الدكتور أحمد الساعاتي
الدكتور أحمد الساعاتي

حاورته– رشا فرحات

رجل منظم إلى أبعد حد، يعشق العلم والبحث بدرجة تصل حد الشغف، يحتفظ بذكرياته الصغيرة والكبيرة، ويتباهى بأنه يحتفظ حتى اليوم بشهادة الصف الأول الابتدائي، له تاريخ علمي حافل، دقيق في اختيار إجاباته، كل شيء في حديثه بميزان، جلسته جدية ممتعة، مليئة بالحكمة... بهكذا يمكن وصف شخصية أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر الدكتور أحمد الساعاتي.

وإضافة لما سبق، فهو مؤرخ فلسطيني، وتجربته مع العلم غنية، جذبت صحيفة الرسالة لتسليط الضوء عليها، فكان اللقاء معه لنحو ساعتين خلت من الملل، وطالت حياته مذ كان طفلاً صغيراً، وكان لافتاً حرصه على تجاهل إنجازاته الفردية، وتركيزه على أنها إنجازات جماعية، باسمه وباسم زملائه، إذ كان له يد وبصمة في كل مرحلة، حيث تنوعت اهتماماته بين التاريخ واللغات، غير أن التعليم كان الأقرب إلى قلبه في كل المراحل.

النشأة

في الحادي عشر من شهر مايو عام 1950 أبصر أحمد الساعاتي النور في مخيم المغازي وسط قطاع غزة، وكما يقول في حوارنا معه: "ولدت في مخيم المغازي لأسرة متواضعة كباقي اللاجئين الفلسطينيين، وعشت مع أقراني ظروف المخيم، وأنهيت في المخيم تعليمي الابتدائي والثانوي، وكنت طفلاً متفوقًا جدًا بدراستي، وما زالت تربطني علاقة وطيدة ببعض المدرسين حتى اليوم".

ويكمل حديثه: "بعدها التحقت بمدرسة دير البلح الثانوية للبنين، وهي المدرسة الوحيدة الثانوية في منطقة المغازي والدير، وبعدها حصلت على دبلوم التجارة وإدارة المكاتب عام 1970، وهو من مركز التدريب المهني في قلنديا بالقدس، وبعدها عملت كمدرس في نفس المدرسة الثانوية التي درست بها، وشاءت الأقدار أن أكون زميلا لأساتذتي، ثم حصلت بعدها على بكالوريوس التاريخ ثم دبلوم عالي بالدراسات الإسلامية ثم الماجستير ثم الدكتوراه أخيراً عام 2003".

المعلم المتفوق

يصف الدكتور الساعاتي فترة عمله بالتدريس بــــ "الفترة التي لا تنسى"، وبــ "التجربة الناجحة فعلاً"، وعن ذلك سألناه كيف أصبح معلمًا للغة الإنجليزية، وهو لم يدرسها فأجاب: "هذا يرجع لأن دراسة الدبلوم كانت كلها باللغة الإنجليزية، وهذا جعل لغتي قوية وجعلني مؤهلاً لتدريسها، وكان ذلك خلال الفترة من عام 1970 حتى 1990، وأذكر أنني حينما تقدمت لوظيفة معلم حصلت على الترتيب الأول بين كل المتقدمين للوظيفة".

ويضيف: "تجربتي كمعلم للغة كانت ناجحة جداً، وذلك بشهادة طلابي الذين أصبح منهم من يحمل درجة الدكتوراه الآن، وما زال بيننا اتصال حتى اللحظة، وأذكر أنني حينما كنت معلماً للغة الإنجليزية في مدرسة حيفا الثانوية للبنات في خان يونس وعند إعلان نتائج الثانوية العامة في ذلك العام لم يرسب أحد من طالباتي، وهذا يرجع لأسلوبي في تعليم اللغة الإنجليزية الذي أشاد به الجميع، وما زالت شهادات التقدير التي احتفظ بها حتى الآن تتحدث عن نجاحي في تلك الفترة".

تجربة الاعتقال

ربما يجدر بنا أن نتحدث عن تجربة الاعتقال قبل أن نتحدث عن سببه، ففي عام 1990 كان العمل التنظيمي سرياً، والساعاتي يعمل كمسؤول إعلام حماس في قطاع غزة، وكان العمل سرياً إلى حد كبير، وحتى أبناء التنظيم لم يكن لديهم معرفة ببعضهم البعض. ويتابع الساعاتي حديثه مستحضراً تلك التجربة: "توجهت إلى العمل الإعلامي والتنظيمي، وكان العمل الإعلامي ممنهجاً وواضحاً إلى درجة كبيرة ومواقف الحركة الإعلامية كانت واعية، وأذكر من ضمن المواقف موقف الحركة من حرب الخليج الذي أصدرت فيه بياناً اعتبر ضمن العلاقات الدولية، وكان موقفاً متوازناً بين طرفي الحرب في ذلك الوقت".

وعن تجربة الاعتقال، يضيف: "تجربة الاعتقال التي دامت سنتين بعد ذلك كانت تجربة ثرية وقوية لا تنسى، حيث الاعتقال كان في سجن النقب، وتلك الأزمة زادت من قوتي خصوصاً تجربة جامعة يوسف التي أسسها المعتقلون داخل معتقل النقب، وكانت جامعة حقيقية وغنية بكل ما للكلمة من معنى، وتعطي شهادات في الفقه والتجويد والتحليل السياسي، وكان لرفيق الاعتقال الدكتور إبراهيم المقادمة رحمه الله فضل كبير في ذلك الوقت".

ويضيف د. الساعاتي معلقاً على لحظة خروجه من المعتقل: "هي فرحة لا تشبهها فرحة، فالإنسان إذا ما تزوج فرح وإذا ما أنجب فرح، وإذا اشترى بيتاً جديداً فرح، لكن فرحة الإفراج من المعتقل لا تشبهها فرحة في الدنيا، وخصوصًا حينما تكون لديك معلومة قد نجحت في إخفائها أثناء التحقيق هنا تشعر بالانتصار أيضاً إلى جانب الفرح".

العلاقات العامة والتاريخ

بعد تجربة العمل كمعلم، وبعد الإفراج عنه، بدأ الدكتور الساعاتي تجربته في العمل في الجامعة الإسلامية، وكانت تلك التجربة الجديدة صعبة على حد وصفه، حيث قال: "كانت المهمة صعبة لأنها تطلبت تسويق الجامعة وبشهادة المسؤولين في الجامعة، اعتبرت أنا مؤسساً لدائرة العلاقات العامة، ولم يكن هناك سوى موظف واحد في الدائرة كلها، بالإضافة إلى أن صورة الجامعة لم تكن كما هي عليه اليوم، وكان مطلوباً مني أن أقنع المجتمع أفراد ومؤسسات بتحسين الصورة النمطية والتعامل معها".

وأذكر أن إحدى نتائج العمل المستمر أن اتحاد الكنائس وافق في ذلك الوقت على دعم الجامعة من خلال تأسيس مختبرات حاسوب وتبرع للجامعة فعلاً. ويعقب الساعاتي: "كان لدينا هدف واضح لتطوير الجامعة والوصول بها إلى أعلى المراتب لأنها التي تتنفس بها جماعة الإخوان المسلمين وتهدف إلى أسلمة المجتمع وهي فكرة الشيخ أحمد ياسين رحمه الله".

ولكن تلك التجربة التي استمرت إلى عام 2003 لم تغط على عشق الساعاتي للتاريخ، فبدأ عمله الأكاديمي كمدرس للتاريخ، وقد حدث في عهده عدد من التغيرات أهمها أن قسم التاريخ أصبح أيضاً قسم التاريخ والأثار، وقد قدم الدكتور الساعاتي أربعة مساقات في القسم كانت أساساً في اعتماد القسم كقسم للأثار أيضاً.

إعلام حماس

عن تجربته في العمل مع إعلام حماس وتقييمه أيضا لعملها الإعلامي حتى الآن سألنا الدكتور الساعاتي والذي أكد على أن للإعلام دورا مهما في السلم والحرب ومعركة التحرير للأرض والإنسان، ومن هذا المبدأ انطلقت حماس للعمل على تطوير إعلامها، مؤكدا على أن إعلام حماس مر بعدد من المراحل وتطور بتطور الحركة منذ النشأة عام 87، وقد بدأ بالكتابة على الجدران ثم البيانات حتى تطور إلى مرئيات وفضائيات وإذاعات.

وعن تعدد الدوائر والاهتمامات داخل إعلام حماس، أضاف الساعاتي: "هناك كثير من الدوائر والتخصصات منها قسم الإعلام السياسي ووحدة الإعلام الموجه للعدو ووحدة الإعلام الأجنبي، كما أن للحركة ناطقين ومتحدثين إعلاميين للحديث باسمها في الداخل والخارج، وهي تعمل في الفترة الحالية على اختيار متحدث باللغة الإنجليزية سيتم الإعلان عنه قريباً".

وعن التطور الإعلامي للحركة، نوه الساعاتي على أن هناك: "ملفا للعلاقات العامة الإعلامية يهدف الى التشبيك مع المؤسسات الإعلامية الأخرى وتوثيق العلاقة بين الصحفيين بشكل عام ويقوم هذا الملف بدور فاعل في عقد اللقاءات والندوات بحضور قيادات الحركة، كما أن هناك دائرة للعلاقات الدولية في الداخل والخارج مهمتها دعم الرواية الفلسطينية ودحض الرواية الإسرائيلية".

وعن تجربته في العمل رئيساً لمجلس إدارة صحيفة فلسطين، يقول: "تلك التجربة غنية بما تحمل الكلمة من معنى، فنحن قمنا على تأسيس أول صحيفة تصدر يومية في قطاع غزة بعد عام 67، وقد ترأست مجلس الإدارة من عام 2007 حتى 2012، أعتقد أنني خلالها بتعاون الزملاء والصحفيين وجميع العاملين فيها استطعنا إرساء قواعد عمل الفريق، وليست قاعدة الرجل الواحد، واستطعنا الانتقال في الصحيفة من الاعتماد على الآخرين حتى الاعتماد على ذواتنا، واستطاعت الصحيفة أن تغطي مصاريفها الخاصة كاملة دون تلقي أي دعم من أي جهة".

لم تنته علاقة الدكتور أحمد الساعاتي بالإعلام ولا التاريخ، فما زال رغم وصوله الى سن التقاعد يدرس بعض المساقات في الجامعة بين الوقت والآخر، كما أنه عضو في مجلس إدارة بعض المؤسسات حتى اليوم ومنها مؤسسات إعلامية.


IMG_9009.JPG

البث المباشر