قدمت 36 شهيدا بالمعركة الأخيرة

جنين تلملم جراحها وتتكئ على أكتاف مقاوميها

جنين - خاص الرسالة نت


إلى حد كبير تشبه جنين غزة، نفس البساطير مرت من هنا، على الأرض الواحدة، لنفس الهدف، مدن صغيرة في مساحتها، لكن المدن الصغيرة هي القليلة الباقية القابضة على حق الحرية دون تنازل، والتي لم تشهد في تاريخها هدوءا يذكر في مقاومة المحتل.
فمنذ الاحتلال الصليبي حتى الآن، وجنين تسطر قصصا بطولية لا تنتهي، على يد أبطال من أبناء المخيم، أو من غيره، جاءوا من مدن ومخيمات أخرى ليكتبوا حكايتهم في أروقة البطولة التي اختارتها لهم الأرض.
تبحث مخططات الاحتلال عن ذات الفريسة، وتترك أثار أقدامها ومجنزراتها على الطرقات، وتشبه تواريخ الفلسطيني بعضها، ففي مثل هذا اليوم عبر أسرى الحرية النفق باحثين عن الحق بملعقة، وفي هذا اليوم أيضا يودع أهالي جنين شهداءهم بعد عملية هي الأصعب في تاريخ المدينة.
بين الشهادة والأسر تكتب المدينة تاريخها، ولأن هذا الاحتلال حاقد لأبعد من تصورات البشر فهو يتخيل أن بإمكانه إبادة مدن وشعب كامل ليحافظ على كينونته، بينما يخرج المقاومون من تحت الأرض، يقتلون ويولدون في اللحظة نفسها، ليثبتوا استحالة ما يريد الاحتلال تحقيقه.
ثم انسحب بالأمس جيش الاحتلال من مدينة ومخيم جنين، بعد عشرة أيام من الاجتياح، ساعات متواصلة من الهدم والقتل والاستباحة، وحصار الجوع والعطش، وهدم المنازل على الساكنين المرابطين هناك، وأهالي المخيم يعرفون أن الجنود سيعودون، وشعارهم" إن عادوا عدنا".
خرج المواطنون يبحثون عن شهدائهم، كهدف أول لما بعد الحصار، إكرام الموت ودفن الشهداء هو الخطوة الأولى للمدن المحاصرة الثابتة على الحق، ثم النظر فيما خلفته الدبابات من هدم.
خطوط المياه مدمرة، والشوارع مجرفة، والأتربة والركام على جوانب الطرقات، والأبواب مفجره، هدف الجيش بات يحفظه الفلسطيني، والطريقة ذاتها، والهدف هو المواطن البسيط العادي، سياسة التخويف والتهجير وزرع الكراهية للأمكنة في النفوس.
جثث مثل بها الجنود، لمواطنين وكبار سن، كانوا يعتقدون أنهم معصومون من القتل، لأنهم خرجوا ليبحثوا عن قوت يومهم، فوجد المواطنون على الطرقات جثث هامدة بعد انسحاب الجيش، ثم دفنوا شهداءهم ولسان حالهم:" نريد أن نقدم جزءا مما قدمته غزة سعيا وراء الحرية". 
حارة الدمج كانت الحارة الأكثر تضررا، لأنها كانت موقعا لقتل جندي إسرائيلي في كمين نصبته المقاومة هناك، فأخفوا معالم الحارة ردا على العملية التي لم يعرف أحد منهم أصحابها، وبقي خوف المدنيين الذين خسروا بيوتهم، دون أن يكون لذلك سبب، سوى غل الاحتلال وحقده.
ثم يمتد الدمار إلى حارة البريد ودوار السينما، حيث جرت هناك مواجهات شرسة بين المقاومين وجنود الاحتلال، بالإضافة إلى مداهمات وهدم للبيوت داخل حارتي "الألوب" و"الحواشين" في مخيم جنين.
وحسب وزارة الصحة الفلسطينية، استشهد 36 فلسطينياً تتراوح أعمارهم بين 13 و82 عاماً برصاص الجيش الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية منذ 28 آب/أغسطس.

وفي المكان نفسه جرفت آليات عسكرية إسفلت الشوارع واجتاحت واجهات مبانٍ. وجلس بعض السكان بصمت على كراسي بلاستيكية أمام منازلهم المتضررة، فيما تعمل جرافات صغيرة على إزالة الأنقاض بينما لا زالت الكهرباء والمياه مقطوعة بعدما دمر الاحتلال أنابيب المياه والبنية التحتية وحتى الخزانات على الأسطح. 
شهدت مدينة جنين حملة واسعة من القرى والبلدات في مدينة جنين للمساعدة في إزالة الركام والدمار في الشوارع وذلك بعد اجتياح المدينة من قبل جيش الاحتلال لمدة عشرة أيام على التوالي.
واستعد السكان للعودة، وترحموا على من فقدوه دون أمل في الرجوع، وناموا الليلة الأولى في بيوت مهدمة الجدران، ليسوا آمنين كفاية، ومتوقعين أن تقوم قيامة المخيم مرة أخرى في أي لحظة.
و كما في السنوات كلها، لا يهدأ المخيم ولا ينام، ولا يصيب مقاوميه أي يأس، وشعار ليلتهم:" ما حدث لم يكن شيئا إذا ما قورن بما حدث في غزة" وتلك سمات المدن الصغيرة، كبيرة بأفعالها، لا تيأس، ولا تكل، ولا يريد الاحتلال الاعتراف بذلك .

البث المباشر